top of page

ملائكة وشياطين




 

للإستماع للمراجعة:

 

تمزج الرِّواية بين العلم والتاريخ والدّين والفنّ والفلسفة في قالبٍ روائيٍّ بوليسيٍّ أقل ما يقال عنه أنه خرافيّ، لتتناول قضية شائكة جدًّا، وتوضِّح لنا حقائق قصة المتضادات، الحقّ والضلال، الخير والشر، النّور والعتمة، البرد والحرّ، الليل والنهار، العدل والظُّلم، الجنة والنّار، الشكّ والإيمان، الملائكة والشياطين، والعلم والدّين.


هل هي قصة التناسق والتوازن، أم قصة الصراع والاختلال اللّامتناهيين. هل تتعارض المتضادات أم تتكامل؟ تتعادى أم تتحالف؟ هل هي فلسفات متنافرة أم متآلفة؟ هل هي حكايتان لقصةٍ واحدةٍ بلغتين مختلفتين أم أنها قصتان مختلفتان؟ هل سينتصر أيّ منهما على الآخر في النِّهاية؟ أم لسنا في صراعٍ لنرى من المنتصر؟ ولكن دان براون عرض تلك القضيّة من خلال إحياء شبحٍ قديمٍ كان يزعج الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر. شبح الطبقة المستنيرة.


لأكون أكثر دقة سأقول أن الرِّواية تسرد المواجهة بين القساوسة والعلماء، بين الطبقة المستنيرة والكنيسة، بين مركز الأبحاث والفاتيكان، بعضهم يقول أن العلم هو الشيطان والدّين هو الملاك، وبعضهم يقول أن الدّين هو الشّيطان والعلم هو الملاك، والبعض الآخر يقول أن العلم والدّين وجهان لعملةٍ واحدة.


يعرض دان براون مخيِّلته العبقرية، في فصولٍ عدةٍ غنيةٍ بالمعلومات الدّينية والتّاريخية والأثرية والعلميَّة والفنِّيَّة، ذات حبكةٍ رائعة، وأسلوبٍ روائيٍّ حِرَفيٍّ ومذهل، مفعمةٍ بالتشويق و الإثارة، فائقة الجاذبية، زاخرةٍ بالأحداث المتتالية، تزرع الشُّكوك في كلِّ شخوص الرِّواية، لتتركك عاجزًا عن إفلات الكتاب وغير قادر على التّوقُّف لالتقاط أنفاسك، مُتمنيًا زيارة الفاتيكان، للاطِّلاع على كنائسها وعمرانها وفنونها وألغازها الغامضة والمكوث في مكتباتها الضَّخمة لسنواتٍ عديدة. لا يسعني إلّا أن أقول أن دان بروان قلب عقلي رأسًا على عقب.


أجاد دان بروان التنقُّل من مشهدٍ لآخر، من دون أن يشعرني بأيّ انقطاعٍ أو ضياع، أسلوبه المشوِّق الأسطوريّ جعلني أشعر وكأنَّني على أكثر من جبهة، وأضفى على قراءتي لسطوره شيئًا من الحيويَّة حيث شعرت أنَّني أركض مع شخوص الرِّواية في محاولةٍ لملاحقة الأحداث المتواترة. أعجبتني طريقة ربطه للتّاريخ والثَّقافات بالخيال، فهنا موازنةٌ ذكيَّةٌ بين المعلومة التّاريخيَّة والخيال الرِّوائيّ. ومن الأمور الرّائعة الَّتي يتميَّز بها أسلوب دان بروان هو قدرته على المراوغة والخداع، على قلب البساط من تحت قدميّ القارئ، وعلى قلب المفاهيم، وتبديل العدوّ بالصَّديق. كما أنَّ قدرته العالية على وصف أدقّ التَّفاصيل للأماكن والمناطق، تجعل القارئ يستمتع كثيرًا وهو يقرأ هذه الرِّواية ويتخيل مناطقها.


و لكنَّ ما ظهر جليًّا في هذا العمل، محاولة دان براون الخفيَّة في تغيير الصُّور السلبيَّة لمنظمة الطبقة المستنيرة، وكأننا نحن القرّاء نتحامل عليها، وهذا أمرٌ غريبٌ للغاية لا أفهمه، لماذا لا يعرض القضية من منظورٍ حياديّ؟ أليس التجرُّد من كلِّ المشاعر الشخصية التي قد تجعل من البحث متحيِّزًا ومتعصِّبًا من أسس البحث العلميّ التاريخيّ؟


الرِّواية رائعةٌ بامتياز، و لكنَّها خطيرةٌ لمن لا يملك فكرًا مسبقًا فيما يخصّ المعلومات العلميَّة والتّاريخية الواردة فيها والمتعلقة بالطبقة المستنيرة والأديان، فلا يمكن لأيّ شخصٍ أن يأخذها بشكل مسلَّماتٍ وحقائق، فهذه أمورٌ حساسةٌ تحتاج إلى بحثٍ دقيقٍ قبل أيّ شيء.


مرهقة وعبقريَّة، رائعة بكلّ المقاييس، ذات مستوًى مرتفعٍ من الذَّكاء، أوَّل قراءة لي لدان براون، والبدايات دائمًا لا تنسى، وإلى أن يتحقَّق ذلك وأقوم بزيارة روما على أرض الواقع سأستمتعُ بالزِّيارة من خلال صفحات هذا الكتاب المذهل في رحلةٍ فريدةٍ من نوعها.


 

مراجعة: زهراء القاضي

التعليق الصوتي: جواد آل سعيد


هذا العمل تم بالتعاون مع مبادرة القراء البحرينيون:

@bahrainireaders

@bhreaders_reviews

32 views0 comments

Recent Posts

See All

للاشتراك في النشرة الشهرية

  • instagram
  • twitter
  • facebook

©2020 by Bahraini Researchers - الباحثون البحرينيون

bottom of page