للاستماع للمقالة:
"الصحة العقلية الجيدة أمر أساسي وضروري لصحة الإنسان العامة ولتحقيق الرفاه وتحسين مستوى المعيشة"
وتعد من أهم عوامل التقدم الاقتصادي والاجتماعي للدول، وكلما زادت الدول تقدماً زاد اهتمامها بتأمين وسائل السلام النفسي لمواطنيها.
وتشير الاحصاءات بأنه يعاني ما يقرب من مليار شخص على مستوى العالم من اضطرابات نفسية، 75% منهم يعيشون في الدول ذات الدخل المنخفض ولا يتلقون العلاج اللازم. يلقى حتفه مايقرب 3 مليون شخص كل عام بسبب ادمان المخدرات، ويُقدم شخص واحدًا حول العالم على الانتحار كل 40 ثانية ، ومع كل هذه الأرقام نجد أن الدول لا تنفق سوى 2% من ميزانيتها على الصحة النفسية.
أزمة ما بعد الجائحة:
تؤدي الفجائع الناجمة عن فقدان الأحبة بسبب الموت والعزلة وفقدان الدخل وحالات الخوف والهلع لظهور حالات صحية ونفسية، قد تدفع بالمرء لتناول جرعات زائدة من الكحول والمخدرات بالإضافة لظهور أعراض مثل القلق الزائد والأرق .
بخلاف المضاعفات العصبية والعقلية مثل الهذيان والهياج والسكتة الدماغية التي ممكن أن تُصيب الأشخاص الذين يعانون بالفعل من اضطرابات عقلية ونفسية، وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية من خلال نتائج المسح التي أُجريت بين شهري يونيو وأغسطس عام 2020 والذي شمل 130 دولة عن كيفية تغيير عملية توفير الخدمات العقلية والنفسية والخدمات المتعلقة بمعالجة تعاطي المخدرات التي تعطلت بسبب الجائحة وتكبدت البلدان مع هذا التغيير خسائر فادحة ، إذ أشارت بأن فيروس كورونا COVID-19 تسبب في تعطل الخدمات الصحية النفسية بنحو 93% من البلدان التي شملها المسح الذي أجرته.
الضغوط طالت الجميع:
وأظهر الاستطلاع بأن 70% من هذه البلدان اعتمدت على التطبيب والعلاج عن بعد للتغلب على هذه الاضطرابات، في حين أن أكثر من 80% من البلدان ذات الدخل المرتفع أقرت بتطبيق خدمات العلاج عن بعد لسد الفجوة ومواجهة الأزمة بأقل من 50% من البلدان ذات الدخل المنخفض.
الأمر الذي يستدعي بضرورة التدخل وتسليط الضوء على الحاجة لتوفير التمويل اللازم وزيادة الاستثمار في الصحة النفسية أثناء وبعد الأزمة وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية، مشيرة بأنه مع استمرار الأزمة الصحية سيزداد الطلب على برامج الصحة النفسية الدولية التي عانت لسنوات من نقص التمويل المزمن.
الصحة النفسية من منظور اقتصادي:
مشاعر الإحباط والقلق الزائد والتوتر والخوف يمكن أن تتطور لمشاكل صحية ونفسية، وأحيانًا تصل لمشاكل معقدة تستلزم الدعم والعلاج المزمن طيلة حياة الإنسان ، عوامل مثل الفقر والوراثة والصدمات والتمييز قد تُزيد من احتمالية التعرض لمشاكل الصحة العقلية والنفسية وممكن أن تحدث لأي شخص كان.
فقد صُنفت مشاكل الصحة العقلية بأنها مشاكل طويلة الأجل تستلزم الدعم النفسي والعلاجي التي قد تمتد لفترات طويلة، ويمكن أن تؤدي لخفض متوسط عمر الفرد المتوقع بنحو 21 عامًا بسبب تداعيتها على الصحة البدنية، كما أنها تساهم في زيادة عدد حالات الانتحار.
ولا تؤدي الحالات النفسية الشائعة مثل اضطرابات القلق والاكتئاب لدى السكان العاملين إلى معاناة الأفراد فحسب، بل تمتد لتشمل خسائر في الإنتاجية بالإضافة لمزيد من الأعباء الاقتصادية والضغط على أنظمة الرعاية الصحية. ويتكبد الاقتصاد العالمي سنوياً نحو تريليون دولار بسبب الاكتئاب والتوتر، وتخسر الشركات الأمريكية ما بين 80-100 مليار دولار .
بالاضافة إلى أنه وصلت إجمالي التكاليف الإنتاجية المفقودة بسبب اضطرابات الصحة النفسية في أوربا ما يقرب من 140 مليار دولار سنويًا. وتخسر الولايات المتحدة وحدها ما يعادل 400 مليون يوم عمل سنويًا بسبب مرض الاكتئاب، إذ يعاني المصابون بالتوتر والقلق الزائد والاكتئاب من عدم القدرة على أداء أكثر من مهمة مُوكلة إليهم في نفس الوقت، ويستغرقون وقتًا أطول في تنفيذ المهام علاوةً على صعوبة التركيز.
وتتنبئ منظمة الصحة العالمية بأن توفير التمويلات اللازمة وزيادة الاستثمار في خدمات الصحة النفسية سيعمل على مواجهة التحديات الاقتصادية والتقلبات الاجتماعية وقت الكوارث والأزمات. حيث أقرت بأن كل دولار سيستثمر في الصحة النفسية سيعود بزيادة قدرها 4 دولارات على الاقتصاد.
برأيكم هل الأمر يستحق المحاولة؟
المراجع:
1. أرقام-فاينانشيال تايمز-منظمة الصحة العالمية-مؤسسة الصحة العقلية (بريطانيا)-ويلز أونلاين-يوجوف
2. أخبار الأمم المتحدة
بقلم:
آلاء الله أسامة
"باحثة اقتصادية، ماجستير اقتصاد ومالية عامة"
Instagram: @alaa._usama
Comentarios