" وقائع للتوعية حول استعمال المضادات "
إن الحياة من أن بدأت الخليقة تدب في كل مخلوق وعلى قيد مستمر من التطور لهدف تسعى له حتى البشرية وهو البقاء، وكما أننا كبشر خُلقنا كي نفكر بذلك العقل المُستعصي فهمه من ذواتنا لتعقيده، فإنه حتى أصغر الكائنات أيضًا وإن كانت أحادية الخلية فإن هذه المنظومة الصغيرة بذاتها تعمل للاستمرار والبقاء. ومن هنا تُطرح تساؤلات بشأن مجوعات أدوية معينة صُممت لِتفني أشكال حياة ،ليستمر النوع الأقوى (البشر).
منذ الأزل كانت البكتيريا والطفيليات شكلاً من أشكال الحياة والتي استمرت بالتطور حتى تتأقلم بما يحيط بها في بيئتها واستمر ذلك حتى ظهرنا في بيئتها وأصبحنا البيئة الجديدة التي يمكننها استوطانها واستغلالها وتنتشر حتى تتلف لنا وظائفنا الحيوية، ولضمان استمرار الحياة لجأ البشر لحرق المرضى خوفا على باقي البشرية من هذا الداء، لكن من منا لا يريد الاستمرار في هذه الرحلة دون أٌناسه ،ومن هنا بدأت المضادات الحيوية بالظهور ومن الجيد ذكره أنه كان اكتشافًا غير مقصود جلبته الصدفة ،فهل كان على المكتشف التفكر قبلاً قبل نشره؟ لما التفكر؟ ذلك لأنه وبعد فترة من انتشار البنسلين بدأت البكتيريا بمقاومة الدواء ، أصبح استعماله غير مجدي، تطورت هذه المخلوقات أٌحادية الخلية بطفرة لتتلائم مع بيئتها الجديدة ضد دواء اكتشفه جسد بمليارات الخلايا، وكما أن ليس كل البشر بباحثون وعلماء، هذه حال باقي المخلوقات ،ليس كلها قادر على التحور والتطور، ولأن السلسلة في دائرة مستمرة متكررة، فإن مع اكتشاف نوع جديد من المضادات، تظهر أنواع أقوى من الأمراض.
ولأن استعمال المضادات الحيوية هو بمثابة خسائر مؤجلة ،ايعتبر نوعًا من الأنانية استعماله؟ لا ليس كذلك ، إن وجود مثل هذه العقارات بمتناول الجميع وللاستعمال في نزلات برد غير مؤكد أنها بكتيرية هي التي تعمل كمقود اساسي في ظاهرة المقاومة، إن وجود المضاد دون التهاب هو فرصة كي يدرس العدو(البكتيريا) هجوم الطرف الآخر(الإنسان)،وضع الأوراق مكشوفة خطوة نحو الخضوع والاستسلام ،ومن هنا يجب استعمال المضادات عند الحاجة فقط.
عند خوض معركة لا يجب الانسحاب في منتصفها ، ويعني ذلك أنه حين البدأ في استعمال المضاد الحيوي لا يجب التوقف عن الخطة العلاجية قي منتصفها ،حين يصف الطبيب أيامًا وأوقاتًا محددة لأخذ الدواء ، فإن هذه الخطة وُضعت بعد دراسات عدة للتخلص من المرض نهائيًا، وعلى سبيل المثال الشعور بالتحسن في الأيام الأولى من الاستمرار على الدواء يشابه شعور التخلص من قطع الخصم في لعبة الشطرنج ولكن ذلك لا يعني الفوز و الانتهاء وقد تقلب اللعبة رأسًا على عقب و بالتالي فإن في تلك المرحلة يبدأ الجسم بالتشافي ويعود لقوته ولكن لم يتخلص بعد من المرض كليًا. وهكذا يجب الالتزام بالتعليمات الدوائية التي تخص المضاد الحيوي بحذافيرها.
إن خطورة الاستعمال الخاطئ للمضادات الحيوية تكمن في النتائج التي تضر بالمريض نفسه والمجتمع بأسره، فمع عدم الاستعمال الصحيح للدواء سيلجأ الأطباء لاستعمال أشكال أقوى من المضادات ذلك حتى تفنى الخيارات ويصبح المرض مهيمنًا وتُفقدُ الحلول الطبية ويبقى الأمر في يد الأمل والدعاء. وتفشي أمراض جديدة يعني معوق لحركة سير كل المجالات لأن أولوية كل شيء هو الصحة العامة.
من الجدير ذكره بأن بعض الأمراض لا يختبأ ورائها مخلوق حي بل أشكال غير حية وأعني بذلك الفيروسات ،ومع التطور العلمي تم التوصل إلى أشكال جديدة من العقاقير وهي المضادات الفيروسية، ولكن الفيروسات وخصوصًا الأكثر انتشارا عائلة الانفلونزا قادرة على التحور و الظهور بأشكال عدة في كل مرة كي تتغلب على نظامنا الخاص في مهاجمتها وهو جهازنا المناعي ،ولذلك فإنه من غير العقلاني استهلاك أدوية مخصصة لهدف غير المرض ،وعاصرنا للتو جائحة فيروسية رأينا من خلالها أن الفيروس يستطيع إيجاد مخرج لمقاومة البيئة من حوله والاستمرار في نسخ نفسه. فلا داعي لاستعمال المضاد الحيوي البكتيري في شأن غير ما صُنع له.
إن الفكرة تكمن في كثرة الاستعمال ، فيستمر تعرض البكتيريا لهذه العقاقير فتتطور لتعتادها فلا يعد الإستعمال البشري لمعالجة الأمراض مجديًا فمع قلة اكتشاف وتطوير عقاقير جديدة ،تصبح كفة البكتيريا أرجح ويصبح الوضع أخطر.
ولم لا نحافظ على بيئة نظيفة خالية من الجراثيم والأمراض؟ إن ذلك واحد من مجالات التبحث والتفكر ، أهم عضو في جسم الإنسان مسؤول عن نقل العدوى هو اليد ، بيئة خصبة لنقل الأمراض ، ولأن ذلك معروف بشكل كافي ، أصبحت المعقمات الكحولية في متناول الجميع، ومن الجدير ذكره أن استعمال المعقم بشكل خاطئ قد يؤدي إلى مقاومة البكتيريا أيضًا، حيث يجب اتباع تعليمات الاستعمال بدقة وهو فرك اليد بالمعقم لمدة 20-30 ثانية لضمان التخلص من كل المجهريات وعدم تبقي شيء منها ،فإن حدث وتبقى بذلك نحن نتيح الفرصة لهذه المخلوقات للتطور أكثر وظهور طفرة مقاومة للمعقمات! وهي أقوى وسيلة للتطهير للجلد حتى الآن ، من المؤسف ذكره ، أن في أكثر البيئات استعمالا للمعقمات تم ظهور عدوى بكتيرية في المستشفيات مقاومة للمعقمات الكحولية تسمى هذه البكتيريا بالمكورات المعوية البرازية وتم نشر بحث عنها في عام 2018م (1).
ومن هذا المقال فرصة لدعوة الجميع في التفكر في استعمال كل ما من شأنه التأثير على الصحة المجتمعية بحكمة وتفكر أكثر.
كتابة:
مريم جواد العريبي
Comments