top of page
Writer's pictureBHRRES

البنية الغامضة في عمليتيّ الجمع والضرب

Updated: Apr 2, 2021

لماذا تتربع عمليتان حسابيتان بسيطتان على عرش الغموض الرياضي؟




 

للاستماع إلى المقالة:

 

تبدو العلاقة بين عمليتي الضرب والجمع طبيعيةً وواضحة المعالم للوهلة الأولى، فعملية الضرب مثلاً لا تتعدى كونها تكراراً لعملية الجمع، لكن الحقيقة تقول لنا أن هذين العمليتين منفصلتين تماماً، بل أن تراكيبهما الحسابية منفصلة عن الآخر والعلاقة بينهما ضبابية إلى حدٍ كبير، فالصورة المثالية في كون عملية الضرب نشأت من تكرار عدة عمليات جمع لا يتعدى كونه أننا محظوظين لتعاملنا مع صورة واحدة بسيطة من بين العديد من الصور الغامضة الأخرى للعمليتين.

تبدأ القصة عندما تنوي أن تصنع مجموعة الأعداد الطبيعية "Natural Numbers" وهي الأعداد التي تبدأ بـ 0 و1 و2 و3 و4 الخ...، في الحقيقة أن هذه الأعداد لو لاحظت يمكن بناؤها من خلال عملية الجمع، عملية جمع بسيطة من خلال الاستعانة بالعدد واحد كوحدة بناء لمجموعة الأعداد الطبيعية.

إن ما نقوم به الآن هو أحد مضامين بديهيات بيانو، التي وضعها العالم المنطقي والرياضي الإيطالي جيوسيبي بيانو "Giuseppe Peano" ، حيث حاول وضع مجموعة بديهيات صارمة تحوي في جوهرها عملية الجمع لبناء الأعداد الطبيعية، و قد أُطلق على تتابع الأعداد هذا اسم التابع "Successor"، حيث يتبع العدد صفر عدد آخر هو عبارة عن إضافة واحد له، فيصبح واحد مضافاً إلى صفر يساوي واحد، و واحد مضافاً إلى واحد يساوي اثنين و هكذا يمكنك صنع جميع الأعداد الطبيعية.

لقد حاول علماء الرياضيات عبثاً حتى يومنا هذا اكتشاف نظامٍ ما في تسلسل الأعداد الأولية، لدينا سبب للاعتقاد بأن ذلك هو سر لن يخترقه العقل البشري مطلقاً.
- ليونهارت أويلر

لكن يكمن غموضٌ آخر في الأعداد يظهر بصورةٍ أخرى في حال أردت أن تبني الأعداد من خلال عملية الضرب، حيث تنص النظرية الأساسية في الحساب "The Fundamental Theorem of Arithmetic" على أن جميع الأعداد التي هي أكبر أو تساوي اثنين، هي إما أن تكون عدداً أولياً أو نتاج ضرب أعدادٍ أولية بطريقة فريدة من نوعها، أي يستحيل أن تتكرر، و هو ما يجعل من الأعداد الأولية كأنها وحدات بناء للأعداد هي الأخرى، هذه المفارقة قد لا تبدو منطقيةً إلى حدٍ ما لكنها تمثل أحجية بالنسبة إلى الرياضيين في تفسير هذا الترابط بين العمليتين الحسابيتين و استخدام كل منهما إلى وحدة بناء مختلفة لإنشاء الأعداد الطبيعية.

إن هذا التمايز الذي لا يبدو جلياً للوهلة الأولى يخلط الكثير من الأوراق، فبالرغم من ترابط هذين العمليتين في أمرٍ ما، إلا أنهما لا يستطيعان تفسير بعضهما البعض، ومثال ذلك هو "ما الرابط بين الجمع والأعداد الأولية !؟"

في الحقيقة أن هذه البقعة الغامضة انشأت الكثير من الحدسيات العصية على الحل حتى وقتنا الحاضر، قد يكون أشهرها هي حدسية غولدباخ الشهيرة "Goldbach's conjecture"، والتي تنص على أن أي عدد زوجي أكبر من اثنين ما هو إلا نتيجة جمع لعددين أوليين، أو في معضلة الأعداد الأولية التوأم "Twin prime" و التي تتساءل عمّا إذا كانت الأعداد الأولية التي يكون الفارق بينهما اثنان "ما عدا اثنان و ثلاثة" هما أعداد لا نهائية أم لا، ففي الأولى تظهر عملية الجمع جلية وفي الأخرى أيضاً تظهر عملية جمع العدد اثنان "2" إلى العدد الأولي ليبني عدداً أولياً آخر جلية هي الأخرى، لكن السؤال هو ما الرابط بين الجمع و الأعداد الأولية ؟.

لم يستطع أحد البرهنة على صحة هذين الحدسيتين حتى يومنا هذا، هذا بمعزلٍ عن التفكير في إذا ما كانت هذه الحدسيات بديهيات في حد ذاتهما أم لا، وبالتالي قد لا تملكان برهاناً مطلقاً. بالرغم من صحتهما.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنك تصور عملية جمع بسيطة على خط الأعداد، حيث إذا أردت إضافة اثنين "2" إلى ثلاثة "3"، كل ما ستفعله هو الوقوف عند العدد ثلاثة والتحرك خطوتين ليصبح لديك المجموع خمسة "5"، لكن لو قمت بعملية الضرب على خط الأعداد، ستلاحظ أنك عندما تريد ضرب العدد اثنين في ثلاثة لا بد أن تبدأ من بداية الخط فتعيد عملية الجمع إما للعدد اثنين ثلاث مرات أو العكس، في الحقيقة إن ما يحدث هنا هو أمرٌ حاولت الرياضيات الحديثة الإجابة عليه عبر النظر إلى تمثيل بُنية العمليتين من حيث قابليتهما لصنع التناظر "Symmetry "، حيث تقوم عملية الجمع على خط الأعداد بما يشبه عملية "سحب ودفع"، بينما تُخضع عملية الضرب خط الأعداد إلى عملية مختلفة تماماً و هي التمديد و الانكماش "stretching and squashing" للخط ككل حتى يعيد تشكيل هذا التناظر (يمكنك التفكير في خط الأعداد خلال هذه العملية كما لو أنه شريط مطاطي، تستطيع تمديده و تقليصه كما شئت مع المحافظة على شكله)، إن هذه العمليات تظهر جليةً في تمايز ضرب المصفوفات أو جمعهم، فالعمليتان تصبحان منفصلتين تماماً و لكل منهما قوانينها و خصائصها الخاصة، كذلك في المعادلات من الدرجات العليا وما يترتب عليها من إيجاد الجذور ثم القفز إلى الأعداد التخيلية، كلها بفضل عملية الضرب هذه التي تصنع بنية تمازجية غريبة للأعداد.

إن تطبيقات الرياضيات اليوم ليست مبنيةً على معرفتنا، بل على جهلنا.
-كارل بومرنس

تلعب اليوم الأعداد الأولية وتحليلها وفقاً إلى خوارزميات التحليل المبنية على عمليتي الجمع والضرب الدور الرئيس في الاتصالات الحديثة وعلم التشفير غير التماثلي "Asymmetric Cryptography”، على الرغم من وجود الكثير من علامات الاستفهام حولها، لكننا نعيش على أمل أن الحلول التي بين أيدينا اليوم هي الأفضل ولن تكسر في وقتٍ قريب على الأقل.



 

المراجع:


How do additive and multiplicative structures interact? | Mathematical Institute .1

Gödel Without (Too Many) Tears - Logic MattersLogic Matters .3

Peano Axioms | Brilliant Math & Science Wiki .4


 

كتابة:

علي الحمد

"مهندس كهربائي، مهتم في فلسفة الرياضيات والمنطقانية"


مراجعة وتدقيق:

مريم سبت

"تخصص رياضيات/احصاء مهتمه بجميع علوم الرياضيات و الاحصاء ، و التربيه و التعليم"


كميل عبدالعزيز رضي

"طالب فيزياء سنة أولى. مهتم بالرياضيات بشكل خاص والعلوم (غير الفيزياء) بشكل عام"


345 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page