top of page
Writer's pictureBHRRES

ما هي الطوبولوجيا

Updated: Apr 2, 2021

دليل تمهيدي للمبتدئين في "هندسة الأسطح المطّاطية"


عندما بدأت دراسة الطوبولوجيا كطالب في المرحلة الجامعية، وجدت أنّي دائمًا ما أواجه مشكلةً في الإجابة عن السؤال الوحيد الذي لا يمكنني تجنّبه من أهلي وأقاربي:

ما هي الطوبولوجيا حقًا؟


في الواقع في كل مرة أقوم بالإجابة عن هذا السؤال أقوم بإعطاء إجابة مختلفة قليلًا عن سابقتها، ولكن في الحقيقة لم أكن مقتنعًا أبدًا حتى بالإجابات والتوضيحات التي كنت أطرحها. إذا سبق وحاولتَ البحث عن مصطلح الطوبولوجيا في محرك غوغل فلا بُدّ أنك صادفت تلك الصور المتحركة التي تُظهر تحول كوب القهوة إلى كعكة دونات. أغلب التوضيحات التي قدّمتُها كانت إحالة إلى مثل هذه الصور؛ كيف أنّ في الطوبولوجيا كوب القهوة وكعكة الدونات هما نفس الشيء، أو كيف أن الكرة والمكعب وجهان لعملة واحدة. ولكن مع ذلك، فمثل هذه الإجابة لا يعطينا فكرة واضحة عن ماهية الطوبولوجيا، ولا كيفية عمل وتوظيف خصائصها، أو حتى لم هذا العلم يستحقّ عناء دراسته والتبحّر فيه.



الصورة المتحرّكة المشهورة، والتي تظهر تحوّل كوب القهوة إلى كعكة دونات


في حال تقدمت إلى دورة تعليمية عن الطوبولوجيا خلال المرحلة الجامعية، فستجد صعوبةً في التوفيق بين ما تعلّمته وبين المفهوم الذي يقدّمه مقطع تحول الكوب إلى كعكة دونات. إنّ الهدف الرئيسي لهذا المقال هو توضيح المفهوم الأساس للطوبولوجيا العامة، وكيفية التوفيق بينه وبين الصورة المتحركة السابقة بالإضافة لمفاهيم هندسيّة أخرى. لاحقًا، سيتبيّن لنا لم أنّ اعتبار كعكات الدونات وأكواب القهوة أشياء متماثلة أمر مفيد ومثير للاهتمام.


عمومًا، إحدى أكثر العقبات التي تواجه الكثيرين منّا، من بينهم أنا، هي محاولة فهم كيف يمكننا الاستفادة من المبادئ النظرية للرياضيات في التطبيقات العملية. بعد أن نسوق المفاهيم المختلفة للطوبولوجيا في مقالنا ونوضّحها، لعلّنا سنرى ونلاحظ، بصورة غير متوقّعة، طبيعة الترابط بين المفاهيم الطوبولوجية وكيفية رؤيتنا للعالم من حولنا. وقبل هذا سنتطرّق إلى أبسط التعاريف الموجودة عن الطوبولوجيا، وهذه التعاريف ستواجهك دائمًا سواءً عند قيامك بقراءة المراجع الخاصة بالطوبولوجيا أو عندما تأخذ دورة تمهيدية فيها.


الفضاء الطوبولوجي


الفضاء الطوبولوجي هو عبارة عن مجموعة من الكائنات الرياضية بأبسط شكل ممكن من البنى. وعندما نتحدّث عن البنى الرياضيّة فنحن نعني الكائنات الرياضية التي يمكننا إجراء عمليات الجمع والضرب عليها، وقياس المسافات فيما بينها، بالإضافة إلى العديد من المفاهيم والعمليات الأخرى. ومن الواضح أنه بإمكاننا إجراء هذه العمليات على الأرقام البسيطة التي نصادفها في حياتنا اليومية.

بالرغم من ذلك فإن بنية الفضاء الطوبولوجي تُعدّ أكثر تجريدًا من فكرة عمليات الجمع والضرب وقياس المسافات. في الواقع إن الفضاء الذي نجري فيه مثل هذه العمليات المختلفة على الأرقام ليس سوى حالة خاصّة من الفضاء الطوبولوجي. بمعنى أن الأرقام الحقيقية هي في الواقع حالة خاصّة جدًا من الفضاء الطوبولوجي.


تُدعى البنية الموجودة على مساحة طوبولوجية بطوبولوجيا الفضاء. جميع الطوبولوجيا هي تشكيلة من المجموعات الجزئية لمجموعة الكائنات الرياضية، والتي تُعرف بـ"المجموعة المفتوحة" للفضاء. فأي مجموعة خاصة ضمن الطوبولوجيا المدروسة تُساهم في تحديد بنية الفضاء ذاته. قد تقول لنفسك إن هذا الكلام غامض وغير مفهوم، والسّبب أنه في الواقع هو كذلك. إذ يمثّل الشكل الأكثر تعقيدًا في البنى التي لدينا في علوم الرياضيات.


في الحقيقة ليس عليك أن تفهم هذا التعريف الذي ذكرته سابقًا، فقط ضع في حسبانك دائمًا أن الطوبولوجيا و"المجموعة المفتوحة" داخلها تُحدّد بشكلٍ ما بنية الفضاء. ومن الأمور المهمة الأخرى التي يجب الانتباه لها هي أن ما يجعل طوبولوجيا فضاء معين مختلفة عن طوبولوجيا فضاء آخر هي تلك المجموعات التي نختارها ونضعها ضمن الفضاء الطوبولوجي. فيما يلي وضعت تعريفًا للفضاء الطوبولوجي بصيغةٍ أفضل إن كنت مهتمًّا، وقطعًا، ليس لازمًا عليك قراءته.


تعريف الفضاء الطوبولوجي: الفضاء الطوبولوجي (X, τ)، هو عبارة عن مجموعة X والتي تحتوي على مجموعات فرعية لها; τ. بحيث: 1. X والمجموعة الخالية بداخلها تنتميان إلى τ. 2. أي اتحاد للمجموعات في τ هو أيضًا ينتمي إلى τ. 3. أي تجزيئات محدودة للمجموعات في τ أيضًا تنتمي إلى τ.


إذًا كيف لما ذكرناه سابقًا أن يكون متعلّقًا بأكواب القهوة وكعك الدونات؟

عادةً يمكننا التعبير عن الفضاء الطوبولوجي بواسطة كائنات (أو أجسام) هندسية كالكرة:



الشكل 1: كرة


الفضاء الطوبولوجي الذي يمثّل الكرة هو في الواقع مجموعة النقاط التي خلال رسمها وربطها مع بعض في الفضاء الثلاثي الأبعاد نحصل على كرة. بالعودة إلى ذكر أن الطوبولوجيا تعرّف بنية الفضاء، فهي أيضًا في نفس الوقت المسؤولة عن جعل أجزاء الكرة متماسكةً مع بعضها. يمكننا تخيّل الطوبولوجيا هنا بأنّها "ذلك الشيء الذي يساعد على إبقاء أجزاء الكرة مع بعضها البعض ويحول دون سقوطها إلى الأرض"، جاعلًا الكرة جسمًا واحدًاً، وليست فقط نصفَي كرة تم إلصاقهما مع بعضهما. والآن لنتخيّل فضاءً طوبولوجيًّا آخر، كما في الشكل التالي:



شكل 2: إهليلَجيّ



لنتخيّل الآن أن الكرة في الشكل 1 مصنوعة من معجون الصلصال، إذا كان الأمر كذلك فبإمكاننا شدّ الكرة وتحويلها إلى جسم آخر كما في الشكل 2. في الحقيقة كوننا تمكّنّا من تحويل جسم ثلاثي الأبعاد إلى جسم آخر دون إضافة أو نقصان في حجمه، هذا يعني أن هذين الجسمين متشابهان طوبولوجيًّا. هذا قد يكون غريبًا قليلًا، ولكن اسأل نفسك: ما هو الفرق بين هذين الجسمين؟ هما يبدوان مختلفين شكليًّا، ولكن إذا تمكّنا من شدّ أو ضغط أحدهما ليستحيل الآخر، فما الفرق عندها بين الاثنين؟


هذان الجسمان لهما الطوبولوجيا ذاتها، بمعنى أنهما وبالرغم من كونهما مختلفين هندسيًّا، إلّا أنهما يمثّلان الشيء نفسه طوبولوجيًّا. بإمكاننا مطّ وشدّ كرتنا -كرة المعجون- وتشكيل أي جسم آخر يمكن تخيّله بها، عندها سنحصل على أجسام مختلفة شكليًّا إلّا أنها متماثلة في المجال الطوبولوجي. حسنًا، قد لا يكون كلّ شكل ممكن التصوّر، هناك بعض القواعد لكيفيّة تعديل كرة المعجون الخاصة بنا:

- لا يمكننا صنع ثقوب في كرتنا المعجونية؛ ولا

- أن نقوم بأخذ نقطتين منها وندمجهما مع بعضهما (أي لا يمكننا صنع شكل يشبه الدونات).


إذا قمنا بانتهاك هاتين القاعدتين عند عملية شدّ وتغيير الكرة، فعندها لن يعود الشكل الناتج عن ذلك مشابهًا طوبولوجيًّا للشكل الأصلي للمعجون. يطلق الطوبولوجيّون على هذا النوع من التغيير الشكلي دون انتهاك القواعد السابقة بالتحويل الشكلي المتماثل أو التشاكل الطوبولوجي (homeomorphism)، الذي هو مجرّد طريقة رياضيّة لوصف كيف قمنا بتغيير شكل كرة المعجون إلى عدة أشكال لها ذات الطوبولوجيا. بمعنى، لو تمكّنا من تطبيق التشاكل على فضائين طوبولوجيّين، عندها يكون لهذين الفضائين الطوبولوجيا نفسها. وهنا يأتي دور الصورة المتحركة الخاصة بكوب القهوة والدونات. بإمكاننا تخيل فضاء طوبولوجي يمثّل الدونات، على اعتبارها مصنوعة من معجون الصلصال، نقوم بشدّها وتحويلها إلى كوب قهوة من دون كسر القواعد. إذًا نعم، في علم الطوبولوجيا كوب القهوة وكعكة الدونات كلاهما يمثلان نفس الشيء، طوبولوجيًّا.



شكل 3 : كعكة دونات، غير شهيّة المنظر


لم الكرةُ ليست كعكةَ دونات؟

الآن بعد أن تعلمنا كيف نستطيع أن نقول عن جسمين أنهما طوبولوجيًّا متشابهان، لنتطرّق إلى كيفية معرفة ما إذا كان الجسمان مختلفين طوبولوجيًّا أو لا. هناك عدد من الخصائص والصفات في الفضاءات الطوبولوجية التي تمكّننا من تمييزهما. بالنسبة للأجسام الثلاثية الأبعاد، كالكرة والدونات، فإن الأمر الأساسي الذي يمكننا الاعتماد عليه للتفريق فيما بينها هو عدد الثقوب في كل جسم. يكون الجسمان مختلفين طوبولوجيًّا إذا امتلك أحدهما ثقوبًا أكثر من الآخر. إذ أنّ هذا الأمر يخالف القواعد السابقة التي وضعناها لشدّ وتعديل معجون الصلصال الذي لدينا. من أجل تشكيل ثقب، علينا إما ان نقوم بصنع ثقب في معجون الصلصال، وإما أن نقوم بلفّه على شكل الدونات وندمج نهايتيه ببعض.



شكل 4: بإمكاننا أن نشكّل من كرة المعجون شكل الدونات، لكنّ الطرفين لا يمكن وصلهما ببعض دون خرق القواعد، الوجهان الدائريّان اللذان نلاحظهما في الشكل المعكروني يبقيان كما هما عند ثنيها على شكل دونات.


إحدى الطرق الأخرى الشائعة للتفريق بين الأجسام الثلاثية الأبعاد طوبولوجيًّا، هي عن طريق تخيل السير عليها. تخيّل على سبيل المثال السير على كرة. افترض أنك بدأت من نقطة معينة ثم قطعت دائرة كاملة حول الكرة. وبعد أن تصل إلى النقطة نفسها انعطف بزاوية 90 درجة واسلك مسارًا دائريًّا آخر. خلال مسارك الدائري الثاني حول الكرة، ستلاحظ أنك ستتقاطع مع المسار الأول الذي قطعته حول الكرة. هذا يحدث في حال قمت بذلك من أي نقطة على الكرة.



شكل 5 : كرة بمسارين دائريين متقاطعين


ظاهرة كهذه تحدث على أي شكل ثلاثي الأبعاد يشبه الكرة طوبولوجيًّا. مع ذلك، في الأجسام المختلفة طوبولوجيًّا عن الكرة يمكننا تطبيق مسار ثانٍ دون أن يتقاطع مع المسار الأول. جسم واحد معيّن يمكن تطبيق هذا عليه، وهو الدونات، كما تلاحظ في الشكل التالي:



شكل 6 : إذا بدأنا من نقطة التقاء الخط الأزرق مع الأخضر وسلكنا الطريق الأزرق أولًا، ثم الأخضر، فعندها يمكننا سَلك مسارنا دون التقاطع مع المسار الذي سبق وسلكناه.


هناك العديد من الخصائص الثابتة بين الأجسام المتشابهة طوبولوجيًّا، ولكنّها، قد لا تكون بالضرورة ثابتة بين الأجسام المختلفة طوبولوجيًّا. هذه الخصائص الطوبولوجيّة هي الأداة الأساسيّة لتحديد ما إذا كان جسمان مختلفين عن بعضهما أو لا.


أجسام طوبولوجيّة أخرى

حتى الآن قمنا فقط بالحديث عن الفضاءات الطوبولوجيّة التي يمكن تصوّرها في ثلاثة أبعاد، ولكن الأمر الرائع بخصوص الطوبولوجيا هو أنها تتيح لنا إمكانية وصف الأجسام ذات الـ4 أو 5 أبعاد، أو حتى أكثر، بسهولة، باستخدام الخصائص نفسها التي ذكرناها.

أحد هذه الأجسام الشائعة في علم الطوبولوجيا قارورة كلاين (Klein bottle)، والتي ستكون قد رأيتها حتمًا إن كنت متابعًا ومعجبًا لقناة اليوتيوب Numberphile (أو Clifford Stoll):



تمثيل لقارورة كلاين في فضاء ثلاثي الأبعاد.


حسنًا في الواقع، لا يمكننا رصد قارورة كلاين في فضاء ثلاثي الأبعاد، ولكن إذا سمحنا لها بالتقاطع مع نفسها، فبإمكاننا الحصول على فكرة عن طبيعة خواصّها. والجدير بالذّكر أنّ هذه القارورة لا تتقاطع مع نفسها في فضاء رباعي الأبعاد. من الصعب علينا تخيّل ذلك، ولكنها تنحني في البعد الرابع حول نفسها وتتّصل مجدّدًا بنفسها. قد يبدو أنّ لقارورة كلاين جزءًا داخليًّا وخارجيًّا، ولكن بإمكانك أن تتتبّعَ من نقطةٍ معيّنةٍ مسارًا مستمرًّا يصل بين جزئها "الداخلي" و"الخارجي" عودةً إلى نقطة البداية – التمثيل الثلاثي الأبعاد هو نفسه السطح، طوبولوجيًّا. لهذا السبب، قارورة كلاين لا تملك حجمًا.


المثير للاهتمام بالنسبة للمسار الذي وصفناه على قارورة كلاين، هو أنّك لو قمت بسَلكه كاملًا وصولًا إلى نقطة بدايتك فستكون بصورة معكوسة (كما في المرآة) مقارنة بوضعيتك عند بداية المسار. هذه في الواقع إحدى الصفات الطوبولوجيّة التي تشترك بها الأجسام المماثلة طوبولوجيًّا (أو المتشاكلة homeomorphic) لقارورة كلاين. من الواضح أنّ قارورة كلاين لا تتماثل مع الكرة أو الدونات طوبولوجيًّا، لأنه، ومهما حاولنا، فلن نصبح صورة معكوسة لأنفسنا أبدًا عند إتمامنا لمسار كامل على أحدهما وعدنا لنقطة البداية. إذا ثمّة جسم يمتلك مثل هذه الخاصيّة، يطلق عليه "غير قابل للتوجيه (non-orientable)". قارورة كلاين غير قابلة للتوجيه، وعلى النقيض فإن الكرة والدونات هما شكلان قابلان للتوجيه (orientable). سطح آخر غير قابل للتوجيه هو شريط موبيوس (Möbius strip). يمكنك صنع مثل هذا الشريط بسهولة بواسطة شريط من الورق، ويوجد العديد من الفيديوهات التعليمية لكيفية صنعه على الإنترنت.



عندما يقطع السلطعون مسارًا كاملًا حول شريط موبيوس ويعود لنقطة البداية سيكون بوضعية معاكسة لوضعيته الأولى.


رغم أنّ شريط موبيوس غير قابل للتوجيه، إلّا أنّه غير مكافئ طوبولوجيًّا لقارورة كلاين، بل يمثّل أساسًا جوهريًّا في تركيبها. بأن قارورة كلاين في الواقع هي عبارة عن شريطَي موبيوس يتم إلصاقهما نهايتيهما ببعض محاولة صنع ذلك مستحيلة في فضاء ثلاثي الأبعاد (يمكنك المحاولة).

بناء كعكة دونات بواسطة ورقة

من الطرق العملية للتفكير حول طوبولوجيا الكائنات والأجسام التي لا يمكن تخيّلها في فضاء ثلاثي الأبعاد هي ما يُعرف بمخطّط الإلصاق (gluing diagram). مخطط الإلصاق يعمل كتعليمات حول كيفية بناء جسم (أو كائن) بطوبولوجيا معيّنة. هذا البناء يعمل عن طريق شدّ وإلصاق حوافّ ونهايات الشكل الثنائي الأبعاد.

قبل أن ننظرَ في مخطط الإلصاق للأشكال المعقّدة، لنبدأ أولًا بمخطط الإلصاق لصنع أكثر الأشكال بساطة، كعكة الدونات:



الشكل 7 : مخطط الإلصاق الخاص بكعكة الدونات


تخيّل أن المربع في المخطط السابق مصنوع من معجون الصلصال. بعد ذلك، تصوّر شدّ طرفي المربع ودمجهما أو "إلصاقهما" معًا. عند إلصاق هذين الطرفين علينا أن نحافظ على الأسهم باتجاهٍ واحد كما هو موضّح في الشكل. إذًا نقوم بتشكيل وشدّ المخطط السابق على النحو التالي:



شكل 8 : كيف نصنع كعكة دونات من خلال مخططها الإلصاقي


مخططنا التالي مماثل للمخطط في الشكل 7، عدا أنّ الأسهم الحمراء هنا في اتّجاهين متعاكسين. هذا يعني أنّ علينا ثني الجسم بحيث يصبح السهمان باتجاه واحد قبل إلصاق الطرفين معًا.



شكل 9 : مخطط إلصاق أكثر تعقيدًا


الخطوة الأولى في مخطط الإلصاق أعلاه هي تشكيل أو شدّ المربع بحيث يلتقي السهمان الأزرقان معًا ونشكّل أسطوانة، كما في التجربة الأولى الخاصّة بالدونات. ما عدا الآن هو أنّ السّهمين الحمراوين متعاكسان في الاتجاه على خلاف ما كانا عليه في مخطط الدونات. هذا يعني علينا أن نثني طرفي المربع بطريقةٍ ما بحيث يشيران في نفس الاتجاه قبل إلصاقهما معًا. كما قد تتخيّل، هذا مستحيل فيزيائيًّا. بالتالي، السّطح الناتج عن مخطّط الإلصاق هذا أيضًا مستحيل فيزيائيًّا. في الواقع، قارورة كلاين التي رأيناها سابقًا هي سطح مستحيل فيزيائيًّا!




مخطّطات الإلصاق تُتيح لنا إمكانية تحديد فيما إذا كان جسم ما قابلًا للتشكيل والتّوجيه (orientable) أو لا. يمكننا تخيّل السير على مخطط إلصاق كما في عالَم لعبة باك-مان (Pac-Man). عندما يصل باك-مان إلى أحد جوانب العالم فإنه يظهر قادمًا من الجانب الآخر. إذا تخيّلنا باك-مان سائرًا على مخطط إلصاق فإنه عندما يصل لأحد جوانب المخطط سيظهر من الجانب الآخر ذي اللون نفسه، والسهم في ذلك الجانب سيحدد اتجاهه.

افترض أنّ باك-مان يدخل الجانب الأيمن لمخطط إلصاق الطارّة (torus)، سيظهر بعدئذ في الجانب الأيسر دون أي تغيير في اتجاهه. هذه هي الطريقة التي تعمل بها طوبولوجيا عالم باك-مان العادي.



شكل 10: باك-مان يسير على طارّة (torus)


الآن، تخيّل أنّ باك-مان يسير على مخطط قارورة كلاين، كيف سيكون الأمر عندما يعبر أحد جوانبه؟ حسنًا، عندما يعبر باك-مان جانبًا ما فإنه سيظهر من الجانب الآخر معكوسًا عموديًّا:



شكل 11: باك-مان يسير على قارورة كلاين


إذًا، مخطّطات الإلصاق تسمح لنا وبسهولة دراسة بعض الخصائص الطوبولوجيّة للأشياء التي يصعب التعامل معها.


لماذا الطوبولوجيا مفيدة؟

قد لا تتوقع هذا لكنّ الطوبولوجيا مفيدة جدًا في عالم الإحصاء. فتحليل البيانات الطوبولوجيّة يُعدّ أحد المجالات الرائدة في البحث الإحصائي. البيانات المفيدة لها نوع من البنى الخاصّة بها، على هيئة نماذج وأشكال مختلفة، وتكمن مهمّة تحليل البيانات في كشف هذه البنى. تحديد البنية للبيانات يعتمد في الواقع على كيفية رؤيتنا لها، وطبيعة الاختبارات التحليلة المُجراة، بالإضافة إلى تنوّع المتغيرات التي نقارنها مع متغيرات أخرى ضمن هيكلية البيانات، وأخيرًا، التمثيل المرئي الذي نعتمده في استعراض تلك البيانات.


من علم الطوبولوجيا، نعرف أنّ الأشياء التي تبدو مختلفة شكليًّا قد تملك نفس الهيكل والبنية. هذه الفكرة يمكن تطبيقها على البيانات أيضًا، فالبيانات قد تبدو لنا مختلفة تمامًا عن بعضها تبعًا لكيفية نظرنا إليها، على الرّغم من أنّنا نتعامل مع نفس البيانات دائمًا.


في تحليل البيانات الطوبولوجيّة نتعامل مع هيكلة البيانات وبنيتها طوبولوجيًّا. نحن نعلم أن الخاصّيّة أو الميزة الطوبولوجيّة هي صفة محدّدة ثابتة في الأجسام والأشياء المتماثلة طوبولوجيًّا. ففي تحليل البيانات الطوبولوجية نحن نقوم بالبحث عن صفات معيّنة تبقى ثابتة ومستمرّة في البيانات حتى مع تغيّر المنظور أو الطريقة التي ننظر إلي البيانات من خلالها. يمكننا تخيّل تلك العملية وتشبيهها بعملية إعادة تشكيل معجون الصلصال. بواسطة هذه الطريقة يمكننا تمييز البنية الحقيقية للبيانات وتمييزها عن أي بنى مستقلّة، عن طريق كيفية ملاحظتها.


هذا في الواقع واحد من التطبيقات الكثيرة للطوبولوجيا في ما يدعى بـ"العالم الحقيقي". التطبيقات الأخرى للطوبولوجيا تتضمّن أيضًا تحديد ما إذا كانت الأشياء المختلفة ظاهريًا هي في الواقع نفس الشيء. وهذه الميزة تعتبر ذات فائدة كبيرة لا سِيّما في الظروف التي قد تتطلّب عرض المعلومات ذاتها من أشخاص مختلفين وبطريقة مختلفة. بعض الأمثلة على أشياء لها تمثيلات وعروض مختلفة تشمل: البنية الجزيئية، الخرائط الجغرافيّة، بنية الدي إن أي (DNA)، بالإضافة إلى العقد في الأوتار والحبال.


قد يكون من الصعب للوهلة الأولى رؤية ذلك، لكنّ الطوبولوجيا تمثّل الحجر الأساس لمختلف المجالات في الرّياضيات إنّ شرح كيفية تسخير الطوبولوجيا "عمليًّا" أمر صعب جدًّا، لأنه يُعتبر متأصّلًا في الطريقة التي تعمل بها الرياضيات، وقد يستخدمه أيٌّ منا في حياته اليومية دون ملاحظة ذلك. حتى الآونة الأخيرة، نسبيًّا فقط، ظهر علم الطوبولوجيا كفرع مستقل عن الرياضيات، وبدأت الأبحاث والتطبيقات المختلفة له تظهر شيئًا فشيئًا.

الخاتمة

أتمنى بعد قراءتك لهذا المقال، أن تكون قد أدركت أن كون كعكة الدونات وكوب القهوة وجهين لعملة واحدة هو موضوع علمي عميق ومفيد أكثر مما تتخيّل. إذا كنت مهتمًّا بالتعمّق أكثر في علم الطوبولوجيا، فهاك بعض المصادر الموصى بها:


1. كيف يمكن تطبيق الطوبولوجيا في العالم الحقيقي؟

2. شروحات متعمّقة في مخططات الإلصاق لـMaia Averett

3. كتاب Sidney A. Morris المجاني عن الطوبولوجيا العامّة: الطوبولوجيا بدون دموع (Topology Without Tears)



 

المصدر:

What is Topology?. An entry-level primer on “rubber-sheet… | by Luke Cooper | Cantor’s Paradise | Medium

 

ترجمة:

نادر حوري


مراجعة وتدقيق:

حوراء عبدالله

1,138 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page