top of page

لماذا كان الهومو ناليدي يدفن موتاه؟

Writer's picture: BHRRESBHRRES

Updated: Apr 2, 2021

اكتشاف جديد لسلف الإنسان يظهر أنهم كانوا يتخلصون من موتاهم بالدفن عمدًا، تصرّفٌ لعله غير خاص بنا نحن البشر


 

للاستماع إلى المقالة:

 

من بين كل الألغاز التي تدور حول الاكتشاف الجديد لسلف الإنسان، لغز من المؤكّد أنه سيشدّ انتباه أشهر محقّق خيال، وهو كيف لألف وخمسمائة وخمسين (1550) عَظْمةٍ لجنس ذوي الأدمغة الصغيرة الهومو ناليدي وُجدَتْ في إحدى كهوف جنوب أفريقيا النائية. مسافة الحجرة -حجرة ديناليدي التي عثر فيها العظام- من مدخل الكهف تعادل طول ملعب كرة قدم، ويمكن الوصول إليها بعد عبور ممرّين ضيّقين مثيرين للتقزّز، الثانية يقدّر عمقها اثني عشرَ مترًا (40 قدمًا)، ويقارب عرضها عشرين سنتيمترًا (8 إنشات) في بعض الأماكن من الممر.


ميزة صفاء الكهف-لا يوجد غير أحافير الهومو ناليدي في الكهف- تخالف كل التفاسير التقليدية والشروحات المألوفة لكيفية وجود هذه العظام في جوف الكهف. لا يوجد أي أثر عض أو قضم على العظام يشير إلى أنّ مفترسًا ما ذكيًّا قام بجرها إلى باطن الكهف. إضافةً، لو كانت هذه هي الحقيقة، ما نوع المفترس اللاحم الذي يتغذى فقط على الإنسان السلف؟ ولو افترضنا أن كانت هناك فتحة في الأعلى تطل على الحجرة في زمن ازدهار الهومو ناليدي، لتمّ العثور على صخور وأحجار، وحيوانات أخرى وليس فقط أسلافنا. وكذلك لو حمَل الماءُ العظامَ منذ آلاف السنين إلى داخل الكهف، لتبعثرت وتفرّقت أجزاؤها. في مقر الاكتشاف، ووفقًا للتركيب البنيوي، مثلًا يد الهومو ناليدي كانت كاملة، والعظام في موضعها تقريبًا مثلما كانت وهي على قيد الحياة.


بعدما نقوم باستبعاد كل الحلول المستحيلة، نجد أن الحل بعيد الاحتمال قد يكون هو الصواب. أشار الباحثون إلى أن النظرية الأكثر نسبةً هي أنّ بعضًا من الهومو ناليدي قاموا بالتجول في ممرّات الكهف الغامضة -ربّما أضاؤوا طريقهم بإشعال النار- ووضعوا الجثث هناك عمدًا لحقبة من الزمن. مع ذلك، بعض العلماء يظنون أن هذا التفسير يفوق ما تدعمه الأدلة.


يقول ويليام جنقرز (William Jungers) -عالم الحفريات بجامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك- لوكالة ناشنال جيوغرافيك: "طقوس الموتى حيث يقوم ذوو الرؤوس الصغيرة بالتخلص من الجثث بانتظام سيكون عنوانًا أفضل من "لا نملك فكرة بعد".

المدافن الغابرة


رغم أنّ المرء يتساءل لم الهومو ناليدي يذهبون إلى هذا الحد للتخلص من موتاهم أشباه البشر، أو أسلاف البشر، معروفون بأنهم يعاملون موتاهم بطريقة طقوسية، والكثير من الحيوانات يستجيبون للموت بسلوكيات محددة. لذا تصرف الهومو ناليدي قد لا يكون خارجًا عن العادة.


النياندرتال، الذين عاشوا بجوار بشر الهومو سابينس (الإنسان العاقل) لمئات آلاف السنين، بكل تأكيد دفنوا موتاهم؛ اكتشف علماء الآثار ما يمكن أن يكون دليلًا على سلوكيّات جنائزية في عشرات المواقع في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط. يقول إريك ترينكاوس (Erik Trinkaus) -عالم الحفريات القديمة بجامعة واشنطن في سانت لويس- أنّ أقدم دفن مؤكد تمّ في كهف الطابون (Tabun Cave) في فلسطين، قبل حوالي مئة ألف عام. هناك وُضعَت امرأة نياندرتالية بشكل جزئي على جانبها الأيسر في قبر محفور بالقرب من حافة الكهف.


موقع متنازَع عليه وأكثر قدمًا موجود في جبال أتابويركا في إسبانيا يُسمّى (سيما دي لوس هويسوس) -أي حفرة العظام- والذي يمتلك العشرات من عظام أشباه البشر، عمرها يقارب الأربعمائة ألف عام (400,000) -ربما تابعة لإنسان هايدلبيرغ- ولكنه ليس مؤكدًا إن كان هذا المقام مقبرةً متعمَّدَة للجثث، أو أنّ حادثًا مؤسفًا أسفر عن مقبرة جماعية غير متوقَّعَة.


البشر وأقرب أسلافنا ليسوا بالجنس الحيواني الوحيد الذي يستجيب للموت بسبل معينة. يقول اختصاصيّ الرئيسيات - إحدى رتب الثدييات- فرانس دي فال (Frans de Waal) من جامعة إموري: "للقرود فهم ووعي بأنّ الموت لا يُلغى ولا رجعةَ فيه"، فعندما ترى أحد أعضاء مجموعتها ميتًا "تتأثّر عاطفيًا به وتحرسه، وأحيانًا تحاول إعادة إحيائه بلمسه ورعايته."


سلوكيات الحِداد منتشرة بكثرة عند الشِّمبانزيّات. تتوقّف عن الطعام، وتراقب الجثة بصمت، وقد تحمل موتاها الرضّع لأيام أو أسابيع. يقول دي فال أنّ عملية حمل الجثث ودفنها ليست من عادة الرئيسيات، وسبب ذلك قد يكون أنّها لا تمكث في مكان واحد لفترة طويلة، ويوضح: "إذا كنت تمكث في مستوطنة حيث يعيش خمسون فردًا آخر، لا يمكنك ببساطة أن تترك جثّةً هناك".

بين حين وآخر تمّ رصد الفيَلة وهي تغطي جثثًا -جثث الفيَلة والإنسان- ولكنها استجابة أقلّ شيوعًا من رعايتها لموتاها والمحتضَرين بالفعل، إنّ الفيَلة من أحد الأجناس الحيوانية التي تتأثر بالموت والفناء، فأحيانًا تقف بصمتٍ جنبَ الجثث، حتى وإن كانت من فصائل أخرى.


تقول جويس بول (Joyce Poole) -أحد مؤسسي مشروع (ElephantVoices) أنّ للفيَلة "إحساسًا وفهمًا -كافيَين- للموت كي يدركوا من أين يأتي". ولاحظَتْ -جويس بول- مرّةً فيَلةً توقفَت وجسَّت جمجمةَ أنثى فيلٍ بارزة بعد أشهر من موتها، ومن كثرة زيارة الفيَلة للمقام صارت طبعات خطواتها جزءًا من المشهد الطبيعي.

يقول دي فال أنّه ليس فقط الفيلة والرئيسيّات من يحزن على الموت، ويضيف: "أظن أنّ كل الحيوانات التي تُنشئ ارتباطات اجتماعية تتأثر من موت أحدٍ آخر."


إدارة جيدة للممتلكات


الاستجابات العاطفية للموت ليست فقط الوحيدة الموجودة في المملكة الحيوانية، بل كذلك ثمّة عدد لا بأس به من الأمثلة على الاستجابات العملية. والسلوكيّات الجنائزية الأخرى شائعة عند الحشرات الاجتماعية -مثل النمل، والنحل، والأَرَضَة (النمل الأبيض) - التي تعيش في الجحور والخليات المزدحمة، وملتزمة في الحفاظ على النظافة. بعض طرق التعامل مع الجثث بسيطة، مثل إزالة الجثث من الخلية أو أكلها. بعضها الآخر أكثر تعقيدًا، فبعض النمل يضع جثث موتاه في حُجَر مخصصة، وبعض النمل الأبيض يدفن موتاه.


ولكن على تعقيدها، تلك الأنظمة تعتمد على استجابات وتفاعلات تلقائية لإشارات وآليات كيميائية، مختلفة أساسيًّا عن مجموعة سلوكيات الثدييات. يقول عالم البيئة السلوكيّة ديفيد هيوز (David Hughes) من جامعة ولاية بنسلفانيا: "الاستجابة للموتى هي استجابة غريزية وتلقائية عند الحشرات الاجتماعية"، ويوضح "في حالة النمل، من الممكن وضع رائحة نملة ميتة على نملة حية، وسيعتقد النمل أنّ هذه النملة الأخيرة هي حقًّا ميتة. لن يكون هكذا هو الحال عند الفيَلة."


حتّى عند البشر، السلوكيات الجنائزية معقدة ومختلفة. البعض يدفن موتاه، آخرون يفضّلون حرق الجثة وجمع رمادها، حتّى أنّ البعض يترك الجثة في مكان مكشوف لتُنهَب وتكون غذاءً لآكلي الجيَف. ولكنّا جميعًا نزيح الجثث عن المكان الذي نعيش فيه. بقدر ما قد يكون مفاجئًا لأشباه البشر ذوي الأدمغة الصغيرة أن يختاروا كهفًا في منطقة نائية، وينيروا ممرّاته، ويتخذوا حجرته مقبرةً لمن يلاقي المنيّة من بينهم، مثل هذا التصرف يُمكن أن يكون له معنًى عمليّ كبير.


يقول عالم مستحاثات البشر جون هوكس (John Hawks) من جامعة ويسكونسن-ماديسون: "هذه الاكتشافات تخبرنا أنه ليس أمرًا صعبًا كما اعتقدنا للحيوانات أن تُبديَ بعض سلوكيات البشر، فهي في متناول المخلوقات البسيطة والأكثر بدائية. قد يكون هنالك أكثر من طريقة للمخلوقات أن تكون شبيهة بالبشر ".



 

المصدر:

Why Did Homo naledi Bury Its Dead? | NOVA | PBS

 

ترجمة:

عبدالله محمد الزايد

"طالب فيزياء من جامعة البحرين، هاوي في العلوم البحتة واللغات وثقافات الانسان، مهتم بترجمة المقالات والنصوص العلمية الأجنبية إلى العربية من أجل تهذيب وتثقيف القارئ العربي"



مراجعة وتدقيق:

كميل عبدالعزيز

"طالب فيزياء، مهتم بالرياضيات والفلك"

305 views1 comment

Recent Posts

See All

1 comentário


zesus
01 de out. de 2020

موضوع شيق

Curtir

للاشتراك في النشرة الشهرية

  • instagram
  • twitter
  • facebook

©2020 by Bahraini Researchers - الباحثون البحرينيون

bottom of page