"ما هذا الذي تتحدث عنه؟ من المستحيل أن يكون ذلك حقيقيًا! "...
أمي العزيزة،
في الواقع هذا ما قالته لي أمي عندما أخبرتها عن هذه المعادلة الرياضيّة الغريبة، وهي كما وصفتها "غريبة"؛ فهي تتناقض مع التفكير المنطقي. كيف يمكن لنا أن نحصل ليس فقط على عدد سالب وإنما كسر أيضًا عن طريق جمع وإضافة أعداد موجبة مع بعضها؟ ماهذا المنطق؟
قبل أن أبدأ: قد نُبّهت سابقًا أن أنوّه بأن عملية الجمع التي سأستعرضها في مقالي ليست عملية الجمع أو الإضافة التقليديّة التي نعرفها، ذلك لأن جميع المتتاليات التي أنا بصدد ذكرها والتعامل معها في هذا المقال لا تميل إلى قيمة عددية محددة، لذا فنحن هنا نتكلّم عن نوع مختلف من عمليات الجمع، وهو في الواقع ما نطلق عليه تجميعية سيزارو (Cesàro Summations). أي شخص مهتم بالعلوم الرياضيّة يعلم أن تجميعية سيزارو تمكننا من إيجاد حصيلة جمع أعداد لا نهائية والتي لا تتماشى عادةً مع المنطق التقليدي. "يمكن التعبير عن تجميعية سيزارو بأنها نهاية متتالية للأوساط الحسابية لحاصل الجمع الجزئي الأولي لـn، حيث n تسعى للانهاية" – ويكيبيديا.
كما أريد أيضًا أن أعرّج على أمر مهم في مقالي هذا، وهو أننا سنتعامل مع ما يُدعى باللانهايات المعدودة، وهو نوع مُختلف عن اللانهايات التي نعرفها، فهي تتعامل مع مجموعة لا نهائية من الأرقام ولكنّها تمكننا، عند توفّر الوقت الكافي، من حساب مجموع أي عدد وأي متتالية أرقام نريدها؛ فهي تتيح لي إمكانية توظيف خواص بعض القوانين الرياضيّة مثل الخاصيّة التبادلية (commutativity) في معادلاتي (وهي من المسلّمات الرياضية التي استخدمتها في مقالي).
سرينيفازا رامانوجان (1887- 1920)، كان عالم رياضيات هندي الأصل
للذين يجدون هذه المتتالية غريبة -والتي كان قد طرحها العالم الرياضي الهندي المعروف سرينيفازا رامانوجان والتي سُمّيت باسمه (متتالية رامانوجان) تكريمًا له- هي في الواقع تنصّ على أنك في حال قمت بإضافة جميع الأعداد الحقيقية (4،3،2،1....) هكذا إلى ما لا نهاية، فإنّك ستجد أن الناتج هو -1\12، أجل -0.08999999999 هو حصيلة تلك المتتالية.
لا تصدّقني؟ إذن، تابع قراءة هذا المقال لترى كيف سأثبت لك هذه المعادلة العجيبة عن طريق إثبات فرضيتين غريبتين. هما:
1–1+1–1+1–1 ⋯ = 1/2. 1
2. 1–2+3–4+5–6⋯ = ¼
أولًا، سنتطرّق إلى جوهر الحل لهذه المعضلة. وهنا سترى تلك النقلة السحرية التي ستجعلك مقتنعًا تمامًا بتلك المعادلة، وهذه الخطوة الأولى هي الأساس ومن دونها فإنه لا يمكن حل المبرهنتين اللتين ستردان لاحقًا.
سأبدأ أولًا بمتتالية ،A، والتي هي حصيلة 1-1+1-1+1-1+1-1 إلى ما لا نهاية. وسأكتبها كما يلي:
بعدها سنقوم بحيلة بسيطة، وهي أننا سوف نطرح A من الرقم 1 كما يلي:
هل كل شيء منطقي إلى هنا؟ الآن سنرى النقلة السحريّة النوعيّة في متتاليتنا الغريبة. إذا ما قمت بتبسيط الجانب الأيسر من المعادلة فسأحصل على نتيجة مبهرة:
هل يبدو لك أحد شقي هذه المعادلة مألوفًا؟ حسنًا، في حال لم تنتبه إلى ذلك فإن أحد الشق الأيمن من المعادلة هو القيمة A نفسها التي بدأنا بها. عندها بإمكاننا وبمساعدة بعض الخطوات الجبرية البسيطة التي درسناها في المدرسة الحصول على المعادلة بالشكل التالي:
هذه المعادلة الجميلة التي بين أيدينا هي ما نطلق عليه متتالية غراندي، وقد سمّيت كذلك بعد أن قام الرياضي والفيلسوف والكاهن الإيطالي غوديو غراندي بابتكارها. هذا ببساطة ما تقدّمه لنا هذه المتتالية (تبسيطًا جميلًا للشكل الأولي للمتتالية التي نحن بصدد حلّها)، وهي في الواقع من المتتاليات المفضّلة لدي، بالرغم من أن لا خلفيّة سببية أو علميّة وراء ابتكار هذه المتتالية، إلّا أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام تفسير العديد من القضايا المهمة، منها إحدى المعادلات المهمة في ميكانيك الكمّ، بالإضافة إلى نظرية الأوتار المشهورة، والكثير من المعادلات الأخرى فيما بعد. لكن في وقتنا الحاضر، دعنا نحافظ على المسار الذي سلكناه في مقالنا هذا وننطلق الآن إلى برهنة المعادلة #2 : 1–2+3–4+5–6⋯ = ¼.
سنبدأ كما بدأنا في المعادلة الأولى، وذلك على افتراض أن المتتالية 1–2+3–4+5–6⋯ هي B. الآن لنضفي تعديلاتنا الخاصّة عليها. ولكننا الآن بدلًا من طرح B من الرقم 1، سنقوم عوضًا عن ذلك بطرح B من A. لنحصل على ما يلي:
سنقوم الآن ببعض الحيل والتبديلات الرياضيّة على معادلتنا الجميلة لنحصل على ما يلي:
مرّةً أخرى حصلنا على المتتالية التي بدأنا بها، وقد استنتجنا سابقًا أن A=1\2 لذا ببعض الخطوات التعويضية الجبرية البسيطة بإمكاننا برهنة المعادلة المُذهلة الثانية كما يلي:
ها هي ذا! هذه المعادلة في الواقع ليس لها تسمية محدّدة فهي حصيلة جهود العديد من الرياضيين خلال السنين الماضية، وقد أشير إليها مرارًا على أنها معضلة رياضية. هذه النتيجة التي توصّلنا إليها على بساطتها أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الرياضيّة والأكاديميّة، بالإضافة إلى أنّها ساهمت بشكل كبير في توسيع النتائج التي توصّل إليها أويلر في بحثه عن مشكلة بازل (Basel Problem)، كما أنّها فتحت الطريق أمام اكتشاف العديد من القوانين الرياضية الهامّة منها دالّة زيتا لرايمان (Reimann Zeta function).
الآن الخطوة النهائية التي هي الزينة الأخيرة على كعكتنا المميزة، والحركة المميزة وطبقنا الأساسي في وليمة هذا المقال. ما سنقومه الآن هو فرض ....C = 1+2+3+4+5+6 ، والآن أظنك تعرف ما الخطوة التالية، نعم سنقوم بطرح C من B كما يلي:
ولأن الرياضيات رائعة دائمًا، سنقوم الآن ببضع خطوات بسيطة في إعادة ترتيب الحدود في المعادلة لنحصل على شكلٍ مألوفٍ مجددًا، ولكنّك غالبًا لم تكن تتوقّع أن نحصل عليه:
ليس كما كنت تتوقع صحيح؟ حسنًا اصبر قليلًا واستعد، ففي جعبتي حيلة واحدة متبقيّة سوف تقلب الأمور رأسًا على عقب. إذا لاحظت فإن جميع الحدود في الجهة اليسرى تمثّل مضاعفات العدد -4، لذا ما سنقوم به هو استخراج ذلك.
B-C= (1-2+3-4+5-6+...)-1-2-3-4-5-6...
B-C= (1-1)+(-2-2)+(3-3)+(-4-4)+(5-5)+(-6-6)+...
B-C= 0-4+0-8+0-12...
B-C=-4(1+2+3+...)
B-C=-4C
B=-3C
الرقم الثابت (-4) عامل مشترك، واحزر ماذا لدينا؟.... ها نحن ذا انتهينا بالنقطة التي بدأنا منها مجددًا
وبما أننا لدينا مسبقًا قيمة B=1\4، فسنقوم بتعويض تلك القيمة وسنحصل على نتيجتنا السحرية:
لِمَ هذه المتتالية التي عملنا جاهدين فيما سبق لإثباتها؟ حسنًا للمبتدئين تُعد متتالية رامانوجان هامّة في نظرية الأوتار (String theory)، ليست الإصدار الخاص بستيفين هوكينغ (الإصدار المطوّر)، بل الصيغة الأساسية الأولى لها (والتي تدعى بنظرية الأوتار بسرعة الصوت String Theory Bosonic). حسنَا للأسف الشكل القديم للنظرية والذي ذكرناه لم يعد يستخدم وقد طفت عليه النظرية الحديثة للأوتار والتي تُدعى بنظرية الأوتار فائقة التناظر supersymmetric string theory، ولكن مع ذلك فإن الصيغة القديمة للنظرية لازالت تُستخدم في فهم الإصدار الحديث لها، الخاص بالأوتار الفائقة، اللتين تشكلان أجزاء متفرّعة من نظرية الأوتار الأساسيّة (التي ساعدت متتاليتنا الجميلة في صياغتها).
بالإضافة إلى ذلك فقد كان لمتتالية رامونجان وقعٌ كبير أيضًا على الكثير من القضايا الفيزيائية، خاصّةً في تفسير ظاهرة تُدعى بتأثير كازيمير (Casimir Effect). قد توقّع العالم كازيمير أنه في حال وضعنا صفيحتين ناقلتين في الفراغ، فإن قوة تجاذبية ستنشأ بين هاتين الصفيحتين وذلك بسبب وجود نوع من القوى العمودية التي تنشأ بين الأجسام دون الذريّة بسبب التقلّبات الكمومية التي تحدث فيما بينها. في تفسير كازيمير وظّف المتتالية التي قمنا ببرهنتها في مقالنا في وضع نموذجه الخاص لكمية الطاقة التي افترضها بين الصفيحتين في تجربته. هذا هو في الواقع السبب في كون هذه المتتالية مهمّة جدًا.
ها أنت ذا قد اكتشفت إحدى أهم المتتاليات على الإطلاق، متتالية رامونجان والتي قُدّمت في أوائل 1900، والتي لازالت تصدر أصداؤها الخاصّة وتضفي تأثيراتها الكبيرة على العديد من الفروع والتطبيقات الفيزيائية حتى بعد مرور أكثر من 100 عام على اكتشافها.
ملاحظة: في حال لازلت مهتمًّا وتودّ القراءة والاطلاع أكثر، هاك محادثة بين اثنين من الفيزيائيين يناقشان كيفية شرح هذه المتتالية وما هي فوائدها في مختلف جوانب العلوم. مقطع قصير وجميل لافت للانتباه أنصحك بمتابعته: الرابط
هذه المقالة هي جزء من سلسلة المقالات في بعض العناوين الرياضيّة، والتي نُشرت في Cantor’s Paradise، مجلة أسبوعية وسيطة، شكرًا لك على قراءتك.
المصدر:
The Ramanujan Summation: 1 + 2 + 3 + ⋯ + ∞ = -1/12? | by Mark Dodds | Cantor’s Paradise | Medium
ترجمة:
عبدالله محمد الزايد
"طالب فيزياء من جامعة البحرين، هاوي في العلوم البحتة واللغات وثقافات الانسان، مهتم بترجمة المقالات والنصوص العلمية الأجنبية إلى العربية من أجل تهذيب وتثقيف القارئ العربي"
مراجعة وتدقيق:
فاطمة راشد
مريم سبت
حضرتك إنسان محترم لك جزيل الشكر على مجهود الترجمة ..
بس انا لغاية دلوقتى مش قادر استوعب العلاقة بين التسلسل العددي لأى رقم .. ومعادلة رامانوجان وان هذه المعادلة تمثل أو تعبر عن أكبر رقم دون التحديد اذا كان هذا الرقم عشوائي أو متسلسل وهل ممكن قراءته ام لا ..
على أي حال أود مشاركة ما قد يساعد على فهم بعض هذه "التعريفات":
https://terrytao.wordpress.com/2010/04/10/the-euler-maclaurin-formula-bernoulli-numbers-the-zeta-function-and-real-variable-analytic-continuation/
https://terrytao.wordpress.com/about/google-buzz/google-post-on-123-1-12/
أرى أن استخدام طرق خاطئة للوصول لإجابة "صحيحة" طبقا لتعريف معين (((تعريف لم يتم الإشارة إليه بالمقال))) هو أمر غريب صراحة.
أصلا لا يمكن استخدام (Cesàro Summations) الذي ذكر في بداية المقال لتحديد قيمة للمجموع بالعنوان. و لم يتم استخدامه لإيجاد أي من المجموعات الأخرى بالمقال.