للاستماع إلى المقالة:
يظن العديد أن مشاهدة سماء الليل المرصعة بالنجوم تحتاج إلى مقراب -تلسكوب- أو منظار حتى يستطيع رؤية تلك النجوم المتلألئة والكواكب الساطعة أو السدم الخافتة، ولكن هل تحتاج فعلًا إلى منظار أو مقراب -تلسكوب- باهظ الثمن كالتي تمتلكه المراصد الفلكية؟ هذا ما سنحاول تبيانه في هذا المقال.
عين كل شخص تتمايز حساسيتها للضوء عن عين الآخر كما تتمايز سائر قدراته الجسدية كالسمع و التذوق وما شابه، ولكن وبشكل عام تستطيع عينا الإنسان رؤية الأجسام في السماء التي يكون سطوعها الظاهري كحد أقصى 6.5. – كلما كان العدد أكبر كان الجسم أخفت -.
لدى أعيننا القدرة على رؤية الكثير من الأشياء الخافتة في السماء عندما نعطيها الوقت الكافي للتكيف في ظروف الإضاءة الخافتة. فإن
فترة المكوث في العتمة تساعد في تكيف أعيننا على الرؤية في الظلمة عن طريق اتساع حدقة العين. والعين أيضًا تفرز بعض المواد الكيميائية الحساسة للضوء التي تساعد الشبكية على الرؤية في الحالات المظلمة فتتحسن مقدرة العين في رؤية الإضاءة الخافتة لتصل إلى 10000 مرة مقارنة بالإضاءة النهارية.
ولكن هناك الكثير من العوامل التي تضعف تلك القدرة الشبيهة بالأبطال الخارقين، فالعمر والاعتياد والتدخين كلها أمور تعنى بالشخص نفسه. والغيوم وضوء القمر وارتفاع الجسم عن الأفق وحجم الجسم ، كلها أمور تحد من تلك القدرة.
إن الكثير من الأجرام السماوية تكون ساطعة بما فيه الكفاية لتُرى بالعين المجردة، ولكن يجب عليك أن تعرف أين تقع تلك الأجرام ومتى تظهر. إن من الممتع الجلوس مع الأصدقاء و محاولة التعرف على الكوكبات في السماء وربط النجوم ببعضها ورسم الأساطير والقصص وراء تسمية تلك الكوكبات. بل يوجد أكثر من النجوم المرتبطة بالخيال والقصص المنسوجة بالأساطير كالسدم والمجرات والعناقيد النجمية البراقة.
إن نظرت في الوقت المناسب سترى عنقود الثريا بكل وضوح وربما تستطيع كذلك عد ما يصل إلى 7 نجوم فيه أو أكثر وذلك لأن السطوع الظاهري للأخوات السبع -عنقود الثريا- بين 2.86 و 5.09 .
كذلك إن نظرت إلى سماء الشتاء ليلًا، فإنك بلا شك ستميز كوكبة الجبار من النجوم الثلاث التي تصطف إلى جانب بعضها البعض على خط مستقيم والتي تسمى حزام الجبار، وقد تلاحظ أيضًا نجمة خافتة يحيطها غمام رمادي، ذلك هو سديم الجبار حيث أن سطوعه الظاهري 4.
تستطيع رؤية الكثير من الأجرام الرائعة كمجرة المرأة المسلسلة – السطوع الظاهري 3.4- ، وسديم أمريكا الشمالية – السطوع الظاهري 4- ، عنقود الفراشة – السطوع الظاهري 4.2- ، وسديم البحيرة – السطوع الظاهري 4.6-.
ولكن يجب أن تأخذ بالحسبان لون الجسم اللتي تريد رصده وحجمه في السماء، فعلى سبيل المثال رصد الأجرام الحمراء يكون أصعب في العادة من الألوان الأخرى، كما أن رصد الأجرام الممتدة في السماء يكون أصعب من الأجسام النقطية كالنجوم في السماء في حالة أن لديهم السطوع الظاهري نفسه.
غير أن حصر الأجرام التي ترى بالعين المجردة يكاد أن يكون مستحيلًا لكثرتها، ولا ننسى الكواكب التي تزين السماء بسطوعها العالي، حيث أنه في الغالب تكون الكواكب أسطع الأجرام في السماء بعد القمر والشمس.
ولكن المشكلة لا تكمن في مقدرة العين البشرية على التكيف في ظروف الرؤية الخافتة في أغلب الأحيان، بل تكمن في التلوث الضوئي الذي غزا كل مكان في أيامنا هذا بشكل يجعل الأجرام الليلية صعبة الرؤية بل مستحيلة، فإن مقدرة العين على رؤية الأجرام الخافتة تقل إلى النصف، فإنك في المدينة مثلًا لا تستطيع رؤية ذراع مجرة درب التبانة، ولكن ما إن تبتعد عن أضواء المدينة الساطعة، فإنك تستطيع رؤية منظره الآخذ للأنفاس.
إن الاتساع في استخدام الأضواء الغير مناسبة يضر يزيد من التلوث الضوئي و يضيع الكثير من الطاقة هباءً. فالأفضل استخدام الألوان الدافئة في إضاءة الشوارع والحدائق وجعلها فقط تضيء المكان المراد إنارته.
ولهذا عندما تريد الاستمتاع بمنظر النجوم المتلألئة المرة القادمة، احزم أمتعتك للذهاب في رحلة بعيدًا عن أضواء المدن البراقة لتنعم بمنظر السماء المرصعة بالأجرام المتلألئة.
المراجع:
1. deepskywatch.com
2. Magnitude (astronomy) - Wikipedia
3. University Lowbrow Astronomers Naked Eye Observer’s Guide.
4. Reconnecting With The Beauty of The Pure Black Night Sky In The Age of Light Pollution | Fstoppers
5. What is stellar magnitude? | Astronomy Essentials | EarthSky
6. AOT_1 - OpenLearn - Open University - AOT_1
كتابة:
علي عمار
مراجعة وتدقيق:
كميل عبدالعزيز رضي
"طالب فيزياء سنة أولى. مهتم بالرياضيات بشكل خاص والعلوم (غير الفيزياء) بشكل عام"
Comments