top of page
Writer's pictureBHRRES

الحقول المغناطيسية المخفية في الكون تبدأ في الظهور

Updated: Apr 2, 2021

يلاحظ علماء الفلك ظاهرة تخلل الحقول المغناطيسية في الكون والتي إن كانت موجودة منذ الانفجار العظيم فستحل أحد أكبر الألغاز الكونية.


 

للإستماع للمقالة:

 

كلما وجد علماء الفلك طريقة جديدة للبحث عن الحقول المغناطيسية في المناطق النائية من الكون تمكنوا من إيجادها.


حقول الطاقة المحيطة بالكرة الأرضية والشمس وجميع المجرات هي نفسها المنبثقة من مغناطيس الثلاجة، فقبل حوالي عشرين سنة بدأ علماء الفلك بملاحظة الحقول المغناطيسية المتخللة في جميع مجموعات المجرات وحتى في الفضاء بين مجرتين كأنها تضاريس بصمات.


وفي العام الماضي استطاع علماء الفلك اختبار رقعة منفسحة بين مجموعة مجرات في الفضاء و تم اكتشاف أكبر حقل مغناطيسي يصل طوله لعشرة مليون سنة ضوئية من المساحة الممغنطة الممتدة في طول خيوط الشبكة الكونية، وتم رصد خيط ممغنط في مكان آخر في الكون باستخدام نفس الطريقة.، وقالت فيدريكا قوفوني من المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في مدينة كلغاري الايطالية والتي ترأست أول عملية للرصد :"نحن على الأرجح ننظر لطرف الجبل الجليدي فقط ".

" بالطبع لا يمكن القول بأنه فعل ناتج من مجرات او انفجارات منفردة أو غير ذلك كالرياح من سوبرنوفا، فهذا شيء أعظم من ذلك" قال عالم الفيزياء الفلكية فرانكو فازا في جامعة بولونيا والذي يقوم بعمل أحدث المحاكات الحاسوبية للحقول المغناطيسية الكونية.

إحدى الاحتمالات تقتضي بأن المغناطيسية الكونية وجدت مع بداية الكون، وفي هذه الحالة ستكون المغناطيسية الضعيفة متواجدة في كل مكان حتى في الفجوات المظلمة والفارغة في الشبكة الكونية، وستكون قد زرعت الحقول الأقوى التي أزهرت في المجرات و مجموعات المجرات.


وتظهر في الصورة التالية صورة محاكاة بالحاسوب للشبكة الكونية التي تعتبر الهيكل الضخم للكون. المناطق الكثيفة مليئة بالمجرات ومجموعات المجرات بالإضافة للخيوط الرفيعة التي تصل هذه الكتل. وتعتبر الفجوات بمثابة مناطق فارغة في الفضاء.


وأكد كاميونكوفسكي وآخرون بضرورة القيام بالمزيد من الحسابات للتأكد من عدم تعارض المغناطيسية الأولية مع غيرها من الحسابات الكونية، فحتى لو نجحت الفكرة على الورق، فسيبقى على الباحثون إيجاد دليل قاطع على المغناطيسية الأولية للتأكد من كونها الحلقة المفقودة في العملية التي صقلت الكون.


وعلى الرغم من كثرة الحديث حول توتر هابل عبر السنين فإنه من الغريب أن المغناطيسية لم تكن معتبرة حتى الآن، ووفقاً للبروفسور بوجوسيان في جامعة سيمون فريزر الكندية فإن أغلب علماء الكونيات لا يهتمون بالمغناطيسية " بل الجميع يعتبرها من الألغاز الكبيرة ". ولكن لعقود لم يكن لعلماء الكونيات طريقة لمعرفة إذا ما كانت الحقول المغناطيسية حقاً موجودة في كل مكان، وبالتالي أن تكون موجودة منذ نشأة الكون، فتوقف علماء الكونيات عن الاهتمام.

وفي غضون ذلك استمر علماء الفيزياء الفلكية بجمع البيانات، ودفع ثقل الأدلة معظمهم للظن بأن المغناطيسية قد تكون حقاً في كل مكان.


الروح المغناطيسية للكون


في عام 1600 قادت دراسات العالم وليام جيلبيرت على الأحجار المغناطيسية للظن أن هذه القوى " تحاكي روحاً " نظراً لكونها تحوي طاقة مغناطيسية وخمن أن كوكب الأرض نفسه "مغناطيس ضخم" وأن الأحجار المغناطيسية "تنجذب نحو قطبي كوكب الأرض"، فقد كان الناس يستخدمون هذه الأحجار الممغنطة طبيعياً في البوصلات لآلاف السنين.


وتنشأ المجالات المغناطيسية كلما تدفقت الشحنات الكهربائية، فعلى سبيل المثال ينبعث المجال المغناطيسي للكرة الأرضية من مولدها الداخلي و هو الحديد السائل المتحرك في نواتها. ومجالات المغناطيس في الثلاجة والأحجار المغناطيسية تكون بسبب الالكترونات التي تدور في ذراتها المكونة لها.


إن محاكات علماء الكونيات توضح طريقتين لتفسير تخلل المجالات المغناطيسية في مجموعات المجرات. ففي اليسار تتضخم المجالات من "بذرات" منتظمة ملأت الكون بعد الانفجار الكبير، وفي اليمين نرى أن العمليات الفيزيائية مثل تكوين النجوم وتدفق المادة للثقوب السوداء الضخمة تخلق رياح ممغنطة تتسرب من المجرات، ولكن بمجرد نشأة مجالات "البذور" المغناطيسية من حركة الجسيمات المشحونة تصبح المجالات أكبر وأقوى من خلال تراصف مجالات أخرى أضعف معها. وقالت عالمة الفيزياء الفلكية النظرية تورستن انسلين في جمعية ماكس بلانك في قرانشينغ في ألمانيا :"إن المغناطيسية أشبه بكونها كائن حي نظراً لكون الحقول المغناطيسية تستفيد من جميع مصادر الطاقة الحرة فتستطيع إمساكها وتضخيمها، فباستطاعتها الانتشار وإلقاء تأثيرها في أي مكان بمجرد حضورها وتتضخم فيه ".


وبينت عالمة الكونيات النظرية في جامعة جنيفا روث دورر أن المغناطيسية هي القوة الوحيدة بجانب الجاذبية التي باستطاعتها تشكيل البُنيات الكبيرة للكون كونهما الوحيدتين القادرتين على "الوصول للشخص" من على بعد مسافة عظيمة على عكس المجالات الكهربية التي تتلاشى في المسافات الكبيرة لأن الشحنات الموجبة والسالبة في أي منطقة ستتعادل بشكل عام، مما يتعذر حصوله في المجالات المغناطيسية.


وعلى رغم قوتها فمجالات الطاقة هذه تبقى بعيدةَ عن الأنظار فهي ليست مادية ولا يمكن إدراكها إلا بتفاعلها مع شيء آخر "فأنت لا تستطيع التقاط صورة لحقلٍ مغناطيسي فالأمر مختلف تماماً" كما قالت عالمة الفلك في جامعة ليدين راينوت فان ويرين والتي كان لها صلة في آخر اكتشاف للخيوط الممغنطة.


وفي ورقة أصدرت العام الماضي استنتجت فان ويرين وثمانية وعشرين مؤلف آخر بوجود الحقل المغناطيسي في الخيط بين مجموعات المجرة Abell 399 و Abell 401 من طريقة إعادة توجيه الحقل للإلكترونات عالية السرعة مع الشحنات الأخرى المشحونة والتي تمر خلاله، ففي لحظة التواء مسارهم معاً في الحقل تقوم الشحنات بإطلاق أشعة سنكروترون خافتة.


وتكون إشارة السنكروترون أقوى ما يمكن في ترددات الراديو المنخفضة مما يجعلها مؤاتية للرصد من خلال اللوفارLOFAR الذي هو عبارة عن 20 ألف مجموعة مصفوفة من هوائيات الراديو منخفضة التردد المنتشرة حول أوروبا.


وقد جمع الفريق البيانات من الخيط في عام 2014 على مدى ثمان ساعات و بقيت البيانات غير ملموسة وقضى مجتمع علم الفلك الراديوي سنوات لمعرفة كيفية تحسين معايرة قياسات اللوفار. وتكمن المشكلة في أن أجواء الكرة الأرضية تكسر موجات الراديو التي تمر من خلالها فيرى اللوفار الكون كما لو كان من قاع بركة سباحة. وقد حل الباحثون هذه المشكلة من خلال تتبع ميلان "المنارات" في السماء وهي عبارة عن بواعث لموجات الراديو ذات أماكن معروفة ومن ثم تصحيح هذا الميلان لإزالة التشويش من جميع البيانات، فعندما طُبِقت هذه الخوارزمية على البيانات من الخيط ظهر توهج انبعاث السنكروترون في نفس اللحظة.


يتكون اللوفار من 20 ألف مجموعة هوائيات منتشرة حول أوروبا، ويبدو الخيط ممغنطاً في كل مكان وليس فقط بالقرب من مجموعات المجرات التي تتحرك باتجاه بعضها البعض على حد سواء، ويأمل الباحثون بأن تحليل مجموعة خمسين ساعة من البيانات ستكشف لهم المزيد من تفاصيل، ومؤخراً كشفت أرصاد إضافية تمدد الحقول المغناطيسية على مدار خيط ثاني ويخطط الباحثون لنشر هذه المعلومات قريباً.


إن تواجد الحقول المغناطيسية الهائلة على الأقل في هذين الخيطين يقدم معلومات جديدة ومهمة وكما قالت فان ويرين "لقد حفز هذا الاكتشاف بعض النشاط نظراً لمعرفتنا الآن بقوة الحقول المغناطيسية".


ضوء من خلال الفراغات


فالسؤال الحقيقي هو كيف وجدت هذه الحقول المغناطيسية منذ بدايات الكون؟ فقد "أمضى الناس دهوراً في التفكير بهذا الشأن" كما قال تانماي فاكاسباتي من جامعة ولاية أريزونا.


في عام 1991 قال فاكاسباتي بأن الحقول المغناطيسية قد تكون نشأت خلال المرحلة الانتقالية الكهروضعيفة وهي في لحظة جزء من الثانية بعدما حدث الانفجار الكبير حينما انفصلت القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة. وقال آخرون بأن المغناطيسية تجسمت بعدها بميكروثانية عندما تشكلت البروتونات. وقال تيد هارسون في نظرية نشأة المغناطيسية الأولية primordial magnetogenesis الأولى في عام 1973 بأنه ربما نسجت البلازما الهائجة للبروتونات والإلكترونات أول الحقول المغناطيسية، ولايزال البعض يقول بأن الفضاء قد كان ممغنطاً قبل حدوث كل هذا خلال تضخم الكون عندما جرى التمدد للمادة المتفجرة والتي يزعم بأنها سببت الانفجار الكبير، ولكنه من الممكن أن ذلك لم يحدث حتى نمو البُنيات في الكون بعد بلايين السنين.


والطريقة لاختبار نظريات النشأة المغناطيسية هي دراسة نمط الحقول المغناطيسية في أكثر البقع نقاوة في الفضاء الكوني و في الأماكن الهادئة من الخيوط، فبعض التفاصيل المعينة تحمل الكثير من المعلومات التي من الممكن مقارنتها بالنظريات والمحاكات كما إذا كانت خطوط الحقول سلسة أو حلزونية أو"مقوسة بأي طريقة ككرة الغزل" كما أشار فاكاسباتي وكيف يتغير النمط في أماكن مختلفة ومقاييس أخرى، فعلى سبيل المثال إذا كانت الحقول المغناطيسية ناشئة خلال المرحلة الانتقالية الكهروضعيفة كما قال فاكاسباتي فإن ذلك سينتج خطوط حلزونية في الحقل كاللولب، وتكمن العقبة في صعوبة كشف حقول القوة التي لا تملك شيئا للضغط عليه.


ومن الطرق المقترحة طريقة طورها العالم الإنجليزي مايكل فارادي في عام 1845 لكشف الحقل المغناطيسي من خلال تدويره لاتجاه لاستقطاب الضوء المار خلاله، ويعتمد مقدار الدوران على قوة الحقل المغناطيسي وتردد الضوء. فمن خلال قياس الاستقطاب في ترددات مختلفة تستطيع استنتاج قوة المغناطيسية على طول مرمى البصر، وكما قال انسلين "إذا قمت بفعلها من أماكن مختلفة ستكون قادراً على صنع خريطة ثلاثية الأبعاد".


وقد بدأ الباحثون بإيجاد قياسات دوران فارادي من خلال استخدام اللوفار، ولكن يواجه المنظار صعوبة في العثور على الإشارات الضعيفة، فقبل عدة سنوات ابتكرت عالمة الفلك وزميلة جوفوني في المعهد الوطني للفيزيائيين الفلكيين فالنتينا فاكا خوارزمية لاستخراج إشارات دوران فارادي إحصائياً من خلال تكوين حزم من قياسات عديدة لأماكن خالية وقالت "من حيث المبدأ من الممكن استخدامه للفراغات".


ولكن تقنية فارادي ستنطلق حقاً عندما يبدأ الجيل التالي لمناظير الراديو في 2027 والذي سيكون عبارة عن مشروع عملاق عالمي يسمى مصفوفة الكيلومتر مربع Square Kilometer Array ، وكما قال اينسلين " يجب عليها أن تنتج شبكة فارادي مذهلة".

وفي الوقت الحالي الدليل الوحيد على المغناطيسية في الفراغات هي ما لا يراه المراقبون عندما ينظرون للأجسام المسماة بلازارات blazars الواقعة خلف الفراغات.


فالبلازارات هي حزمة إشعاع هائلة مكونة من أشعة جاما وأنواع أخرى من الضوء والمادة ذات طاقة عالية من الثقوب السوداء الهائلة، وتسافر اشعة جاما خلال الفضاء وتقوم أحياناً بالتصادم مع فوتونات أخرى وكنتيجة لهذا التصادم تتحول لإلكترونات وبوزيترونات وثم تتصادم هذه الجسيمات أيضا مع فوتونات أخرى محولةً إياها لأشعة جاما ضعيفة الطاقة.


ولكن في حال عبور ضوء البلازار الفراغات الممغنطة ستختفي أشعة جاما الضعيفة لأن الحقل المغناطيسي سيشتت الإلكترونات والبروتونات خارج مرمى النظر، كما قال اندري نيرونوف وايفجين فوفك من مرصد جنيفا عام 2010، وعندما تخلق أشعة جاما الضعيفة لن توجه نحونا.


عندما حلل نيرونوف وفوفك البيانات من بلازار ذو مكان ملائم لاحظوا إشارات أشعة جاما عالية الطاقة ولم يجدوا إشارات الأشعة منخفضة الطاقة، فقالت فاكاسباتي "غياب الإشارة هذا هو ما يعتبر إشارة".


لكن عدم وجود إشارة لا يعتبر دليل قاطع، وقد تم طرح تفسيرات بديلة لأشعة جاما المفقودة. ولكن المشاهدات اللاحقة أشارت لفرضية نيرونوف وفوفك بشأن كون الفراغات ممغنطة، وقال دورر "هذا ما يعتقده الأغلبية". ومما كام أكثر إقناعاً أنه في عام 2015 طرح فريق قياسات عديدة لبلازارات خلف الفراغات، واستطاعوا استخراج هالة خافتة من أشعة جاما الضعيفة من حوالي البلازارات، وهذا التأثير هو المتوقع تماماً إذا ما كانت الجسيمات تشتتها مجالات مغناطيسية ضعيفة قوتها واحد من المليون من قوة مغناطيس الثلاجة.

ومما يثير النظر أن هذه الكمية المحددة من المغناطيسية البدائية قد تكون هي المطلوبة لإيجاد حل لمشكلة توتر هابل مشكلة التوسع السريع الغريب للكون.


هذا ما لاحظه بوجوسيان عند رؤيته آخر المحاكات الحاسوبية التي أعدها كارستن جيدامزيك من جامعة مونبلييه في فرنسا مع أحد المشاركين. حيث أضاف الباحثون حقول مغناطيسية ضعيفة إلى كون شاب تملؤه البلازما تمت مُحاكاته، ووجدوا أن البروتونات والإلكترونات تطير حول خطوط الحقل المغناطيسي وتتراكم في أضعف مناطق الحقل مكونةً تكتلات جعلت البروتونات والإلكترونات تتحد لتكون الهيدروجين – والتي هي مرحلة أولية تسمى إعادة التركيب – أبكر مما كان من الممكن حصوله، وخلال ما كان بوجوسيان يقرأ ورقة جيدمزيك انتبه إلى أنه من الممكن أن يساعد هذا في حل توتر هابل، ويقوم علماء الكونيات بحساب سرعة توسع الفضاء اليوم عبر مراقبة الضوء القديم المنبعث أثناء إعادة التركيب والذي يظهر كوناً شاباً مرصعاً بالنقط المتكتلة التي تكونت من الموجات الصوتية المتحركة في البلازما الأولية. ولو أن إعادة التركيب حدثت في وقت أبكر من المفترض بسبب تأثير النقط التي سببها الحقل المغناطيسي، إذاً لم تكن موجات الصوت لتعبر نفس المسافة مسبقاً وستكون النقط أصغر مما يعني أن النقط التي نراها في السماء من زمن إعادة التركيب لابد أن تكون أقرب لنا مما اعتقد الباحثون من قبل، حيث أن الضوء المنبعث من النقط لابد وأن يكون قد سافر مسافة أقصر لكي يصل إلينا وهذا يعني أنه كان يعبر فضاء يتوسع بصورة أسرع فكما قال بوجوسيان "إنه أشبه بالركض على سطح يتوسع حيث أنك تقوم بقطع مسافة أقل".


 

المصدر:

The Hidden Magnetic Universe Begins to Come Into View - Quanta Magazine


 

ترجمة:

زهراء عبد الجليل


مراجعة وتدقيق:

محمد أحمد، حنين حسين

136 views0 comments

Recent Posts

See All

Commentaires


bottom of page