من خلال المجهر، يبدو الميكروب المائي براميسيوم بورساريا كما لو كان ينفجر عند اللحامات مع كُرات صغيرة من الرخام الأخضر. ومع ذلك، فإن الكُرات الخضراء هي كائن حي مختلف تمامًا: شلوريلا، وهي طحالب يحتمي أحيانًا داخل غشاء خلية البراميسيوم. يمكن لكل نوع أن يعيش بمفرده، ولكن كلا النوعين ينخرطان بشكلٍ متكرر في شراكة التعايش الداخلي. في مقابل توفير الدفاع والمعذيات للشلوريلا، تأخذ البراميسيوم أن يتشارك مع الشلوريلا الطعام الناتج عن عملية البناء الضوئي.
هنالك مقولة شهيرة تنص على أن البراميسيوم يمتنع عن هضم الطحالب فقط لأنها ستفقد السُكريات التي يصنعها الطحلب. ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الطحالب قد تكون محمية من خلال نظام آمن من الفشل: إذا كان البراميسيوم المفترس يصنع طعامه من الطحلب الذي يسكنه، فإن القطع المهضومة من الحمض النووي الريبوزي للطحلب قد تأثر من قدرة البراميسيوم على التضاعف والنمو. الحكمة التقليدية هي أن البراميسيوم يمتنع عن هضم الطحالب فقط لأنها ستفقد السُكريات التي تنتجها. يمكن أن يؤدي فهم الديناميكيات بين الباراميسيا والكلوريلا إلى تقديم رؤية ثاقبة في عدد لا يُحصى من التعايش الداخلي الآخر الموجود في الطبيعة، وقد يقدّم أيضًا تلميحات حول ما ساعد في الحفاظ على التعايش الداخلي الأصلي الذي يُعتقد أنه أنتج حقيقيات النوى (خلايا معقدة مع عُضيات). قال جون أرتشيبالد، عالم الكيمياء الحيوية في جامعة دالهوزي بكندا ، والذي لم يشارك في الدراسة: "نريد أن نفهم ما هي المبادئ العالمية التي تحكم التفاعلات بين المضيفات حقيقية النواة والتعايش الداخلي لحقيقية النواة". قال توماس ريتشاردز ، أستاذ علم الجينوم التطوري بجامعة أكسفورد وأحد كبار مؤلفي الدراسة ، على الرغم من أن العلاقات المتبادلة تفيد الطرفين ، فمن الخطأ اعتبارها مستقرة بطبيعتها. قال: "إنهم يحاولون دائمًا الحصول على أحدهم فوق الآخر". "لهذا السبب، من الصعب أن تتخيل أنك تستطيع الحصول على استقرار طويل الأمد". على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن البراميسيوم تهضم تعايشها الداخلي (الطحلب) في الظلام حيث تعجز الطحالب على التمثيل الضوئي وتوفير السكر للبراميسيوم. قال بن جنكيز، باحث ما بعد الدكتوراة في جامعة أكسفورد والمؤلف الأول للدراسة: "يجب أن يكون لدى المتكافل أيضًا شيء في ترسانته يحافظ على الاستقرار مع تقلب الظروف".
واشتبه جنكيز أن آلية التثبيت من الممكن أن تضم الحمض النووي الريبوزي للمخلوق لأن زملاؤه لاحظوا مواضع تشابه كثيرة بين المُضيف والكائن المتعايش معه تطفو في سيتوبلازم الخلية. وتسائل ما إذا كان هنالك بعض العواقب من الالتباس بين الحمض النووي الريبوزي للمُضيف والكائن المتعايش معه. وقال "إذا كنا غير قادرين على التمييز بين النسخ، فهنالك احتمالية جيدة أن المُضيف لن يكون قادراً على التمييز بين النُسخ". ولمعرفة ما إذا كان هذا هو الحال، قام جنكيز وزملاؤه أولاً بإعطاء مضاد حيوي أدى إلى تعطيل الطحالب وقاد البراميسيوم إلى هضم الطحلب الذي أصبح بلا فائدة. عندما يتم هضم الطحلب، تتسرب أحشاؤها الخلوية (البروتينات والمواد الجينية والعضيات) إلى سيتوبلازم المُضيف، حيث تتفكك ببطء بواسطة الإنزيمات. وبدون تعايش الطحلب، انخفض عدد البراميسيوم بالعينة بشكل كبير كما كان متوقعاً. ولكن جنكيز وزملاؤه لاحظوا شيئًا آخر عندما أوقفوا نظام البراميسيا لتدخل الحمض النووي (عملية تعمل على إسكات تنظيم الجينات ويعتقد أنها نشأت جزئيًا لمكافحة المواد الجينية الأجنبية من الفيروسات والكائنات التي تغزو جسم البراميسيا).
البراميسيا التي تم إيقاف هذا النظام فيها قلّت بشكل أكثر من أولئك الذين لديهم أنظمة سليمة. أظهرت تجارب المتابعة أن الحمض النووي الريبوزي الحُر للطحالب الأكثر تشابهًا مع جينوم المضيف قد أطلق سلسلة من إشارات داخل البراميسيوم. تقوم هذه السلسلة بإرسال إشارات داخل الخلية تنبهها بأنها تحتوي على نُسخ فائضة من المعلومات الوراثية، مما قد يُشير إلى احتمال وجود فيروس أو بعض المخلوقات التي تغزو الخلية. وهذا يسبب في إبطاء الخلية في إنتاج التعابير المتشابهة من الجينات المتماثلة وتقلل من انتاج البروتينات التي تقوم بتشفيرها. وقال أرشيبالد: "النظام النموذجي يعد آلة الزمن، يمكنك استخدامها للعودة بالزمن إلى الوراء وإلقاء نظرة على تفاعل تكافلي ناشئ". "لقد اكتشفوا لغة التعايش على أفضل نطاق". وصف عالم الأحياء الدقيقة وعالم الوراثة بجامعة كاليفورنيا، ريفرسايد و الذي لم يشارك في الدراسة، وصف الدراسة بأنها مثيرة و قال أنها تتلاءم مع مجموعة أكبر من الدراسات في العقد الماضي مشددًا على أهمية آلية تداخل الحمض النووي الريبوزي للخلية. قال جين أنه فقط في السنوات الخمس الماضية أو نحو ذلك، حوّل العلماء انتباههم إلى التحقق قي تفاعلات تداخل آلية الحمض النووي الريبوزي بين الكائنات الحية المختلفة، والأنواع والممالك المختلفة. وأشار جنكيز أن آلية تداخل الحمض النووي الريبوزي للاستقرار التكافلي مثيرة للاهتمام (إذا صمدت في الكائنات الحية) هو أن تتطور دون الحاجة إلى أنها يمكن أن تتطور دون الحاجة إلى آلاف السنين أو أكثر من التطور المشترك بين المُضيف والمتعايش. يجب أن يعمل مع أي تعايش داخلي طالما هنالك تداخل كافي بين التسلسل الجيني بين المخلوقين، وطالما لم يتم هضم المادة الوراثية للتعايش الداخلي بشكل كامل وكان المُضيف لديه نظام تداخل الحمض النووي الريبوزي أيضًا.
إن فهم الآلايات التي تُثبت العلاقات التكافلية يمكن أن يوفر رؤى قيمة حول حقيقيات النوى الأولى، والتي يبدو أنها تطورت من التعايش الداخلي القديم. قال جينكيز أنه لكي تتطور أي حياة معقدة من شراكة التعايش الداخلي، يجب أن تكون هناك فترة من التعايش الأولي يمكن أن يعمل الاختيار على أساسها لدفع ظهورها. على الرغم من أن الخلايا البدائية النواة البسيطة (البكتيريا والعتائق) لا تحتوي على نظام تداخل الحمض النووي الريبوزي متماثل لتلك التي عند حقائق النوى، فإن القاعدة العامة تنص على أن العمل الجديد قد لا يزال وثيق الصلة بتكوين حقيقيات النوى: تطور نظام تداخل الحمض النووي الريبوزي في وقتٍ مبكراً جداً في التاريخ وبعض مكوناته قد تكون مشتقة من بدائيات النوى. ولاحظ نيك لين، عالم الكيمياء الحيوية التطورية في جامعة كوليج لندن، والذي يدرس أصل وتطور حقيقيات النوى، أن معظم التعايش الداخلي ينتهي بالفشل، حيث يقود أحد الطرفين الآخر للانقراض. قال: "الفشل هو قاعدة، وفي بعض الأحيان يكون نجاحًا". "وهذا مثال جيد جدًا لنوع الآلية التي يمكن أن تسمح بالنجاح".
ومع ذلك فإن هذا العمل بحاجة لمراجعه علماء آخرون، فمن الصعب تمييز آلية التثبيت والتي قد تكون مجرد ورقة من البروتكول التجريبي للباحثين. يشير ويليام مارتن، عالم الأحياء التطوري بجامعة هاينريش هاينه في ألمانيا والذي لم يشارك بالدراسة، إلى أنه عندما تأكل البراميسيا طحالبها في الظلام، فإن عملية الهضم تكون بطيئة وجزئية حيث أن المضاد الحيوي الذي استعمله جنكيز وزملاؤه للتخلص من الطحالب التي تعمل بسرعة. ومن الممكن أن تكون بيانات تفاعلات تداخل الحمض النووي الريبوزي المسجلة لديهم لا تحدث بمعدل أبطئ. إذا أكدت الدراسات المستقبلية هذه النتائج، فقد يكون لهذه الآلية أهمية خارج سياق التعايش الداخلي. قال جنكيز إنه يأمل في استخدام نتائج هذه الدراسة لمعرفة ما إذا كانت الخلايا لديها آليات داخلية مماثلة لتثبيط أكل الحيوان لنفس جنسه. إذا أكلت البراميسيوم براميسيوم آخر، على سبيل المثال، قال جنكيز إنه يتوقع أن تنشط القطع الجينية المهضومة آليات تداخل الحمض النووي للحيوان الآكل، وذلك نظراً لتسلسل الجيني المتطابق. قال جنكيز: "يمكنك تصور عاقبة أكل الحيوان لنفسه أو على الاقل لحيوانات قريبة له من الجنس والتي ستعول علة تنشيط الآلية نفسها".
المصدر:
RNA Brakes May Stabilize a Cellular Symbiosis | Quanta Magazine
ترجمة:
أمل محمد
"طالبة طب بشري في جامعة الإسكندرية مهتمة بقراءة كتب تطوير الذات والكتب العلمية ومتطلعة لمجالات الكتابة، التصميم، والموسيقى."
مراجعة و تدقيق:
آمال التمار
Comments