اختلف العلماء الفيزيائيّون في تعريف الضوء عبر التاريخ، وصعب عليهم تحديد طبيعة الضوء. هل الضوء موجة أو جسيم؟ ما هو الضوء، وما سلوكه، وممّ يتكون؟ ومن هم العلماء الذين نجحوا في الحصول على تعريف صحيح للضوء؟
كان العلماء الفيزيائيّون السابقون في عصر العالم نيوتن يميلون لنظرية الضوء موجة فقط، أي أنّ الضوء يسلك سلوك الموجات، وينتقل في خطوط مستقيمة بشكل موجيّ. وساد اعتقاد بأنّ الضوء يمرّ في المادة محدثًا تفاعلًا معها، فينتج ضوء جديد نتيجةَ هذا التفاعل. تصادم العالم نيوتن معهم وصحّح هذه الفكرة، وعرَّف الضوء الأبيض بأنه مزيج من ألوان الطيف، وكلّ لون له موجة محدَّدة. عندما يمرّ اللون الأبيض خلال منشورٍ زجاجيّ فإنه ينكسر إلى سبعة ألوان، ويمكن الحصول على اللون الأبيض مرة أخرى بوضع منشورٍ زجاجيٍّ آخر معكوس. واستنتج أنّ لكلِّ لونٍ موجةً ودرجةَ انكسارٍ معيّنة.
فدرجة انكسار اللون الأحمر تختلف عن درجة انكسار اللون البنفسجي، حيث إنّ اللون الأحمر له طول موجي أكبر ودرجة انكسار أقل، بينما اللون البنفسجي له طول موجي قصير ودرجة انكسار كبيرة. بالتالي فإنّ الضوء أو اللون الخاص بالضوء ليس نتيجة تفاعل الضوء مع المادة. واعتقد نيوتن أن الضوء عبارة عن جسيمات صغيرة مرتّبة تنتقل في خطوطٍ مستقيمة، واستدلَّ بالسّلوك الجسيميّ للضوء من الظلّ الحادّ المرتّب الذي خلقه، وتَنافي نظرية سلوك الضوء الموجيّ في تجربة التأثير الكهروضوئي على سطح معدني. استنكر العلماء جميعهم من آراء نيوتن، فغضب نيوتن وتوقف عن نشر أبحاثه مدّة من الزمن.
ثم جاء جيل آخر وألغى النظريّة الموجيّة للضوء، وقال بأنّ طبيعة الضوء جسيميّة فقط. لكنّ سلوك الضوء الموجيّ كان طاغيًا وواضحًا في ظواهر الحيود والانكسار والانعكاس للضوء. ثم أثبت العالم ماكسويل أنّ الضوء هو موجة كهرومغناطيسية، موجة تختلف عن باقي الموجات، مثل موجة الصوت التي تحتاج لوسط للانتقال فيه. ينشأ الضوء من تغيير في المجال الكهربائي، فيتولّد مجال مغناطيسيّ عموديًّا على المجال الكهربائي، بعد ذلك يولّد المجال المغناطيسي مجالًا كهربائيًّا عموديًّا على الآخر، وهنا تتكرر هذه التولّدات على هيئة تراقصيّة للموجات الكهرومغناطيسية وتبادليّة للمواقع باستمرار. الموجات الكهرومغناطيسية تتحرّك بسرعة فائقة ثابتة، وتمّ رصد هذه القيمة في الفراغ، إذ تقدّر بحوالي 300000 كم في الثانية الواحدة، وتبطؤ هذه السّرعة عند دخول الضّوء وسطًا مادّيًّا.
ينقسم طيف الموجات الكهرومغناطيسية إلى طيف مرئي وطيف غير مرئي، مثل الأشعّة تحت الحمراء والأشعّة فوق البنفسجية وأشعة جاما.
وأخيرًا، بعد الكثير من التطوّرات والتقلّبات في الآراء، جاءت النظريّة الحديثة بقيادة العالم آينشتاين، وتغيّر مفهوم الضوء، أو تمّ إضافة مفهوم إضافي للضوء، وهو أنّ الضوء يسلك سلوك الموجة والجسيم، ما يعرف بـ"ازدواجيّة السلوك". تأكّدت فكرة الضوء بأنّه يسلك سلوك الجسيم من خلال تجربة إسقاط ضوء له تردّد معيّن على سطح معدني، إذ لوحظ تحرّر بعض الإلكترونات من ذلك السطح، وبدا أنّ سرعة الإلكترونات المتحرّرة من السطح مرتبطة بلون الضوء. لون الضوء مقرون بطول موجيّ وتردّد محدّد، كلّما كان الضوء ذا طول موجيّ قصير كان ذا تردّد عالٍ وساهم في تحرير الإلكترونات، بعكس اللون الأحمر ذي الطول الموجيّ الطويل والتردّد الصغير.
اعتمد عالم الفيزياء الحديثة آينشتاين على فكرة الكمّات، وبدلًا من النظر للضوء كونه ينتقل على شكل موجات، يمكن النظر للضوء على أنّه مُصدَر ضمن حزم دقيقة مستقلّة تسمّى "الفوتونات"، وهذه هي الأجسام الصغيرة الذي حاول العالم نيوتن تفسيرها، فافترض آينشتاين أنّ كلّ كمٍّ من الضوء يحمل كمّيّة معيّنة من الطاقة المتعلّقة بتردّده أو المرتبطة بلونه. كما ذكرنا سابقًا، الضوء الأحمر له طول موجيّ طويل وتردّد صغير، فكمّية الطاقة الناتجة من الفوتونات صغيرة، بعكس الضوء البنفسجيّ الذي يحتوي على طول موجيّ قصير وتردّد عالٍ، فالأخير يمتلك طاقة أكبر، أي أنّه عبارة عن فوتونات لديها طاقة أكبر والتي تساهم في تحرير كمّيّة من الإلكترونات من السطح. إذ طاقة الضوء تساوي حاصل ضرب ثابت بلانك في تردّد الضوء.
مُنِح ألبرت آينشتاين جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1921م لتفسيره ظاهرة التأثير الكهروضوئي. وبذلك أُثبِت أنّ الضوء يسلك سلوك الموجة والجسيم، وأنّه عبارة عن اهتزاز مجالين متعامدين، كهربائي ومغناطيسي، والموجة تنتشر في الاتّجاه العمودي على المستوى الذي يتغير فيه المجالين.
أصبح تعريف الضوء اليوم هو أنّه نوع من أنواع الطاقة، وأنّه موجات كهرومغناطيسيّة عبارة عن فوتونات لها طاقة كمّيّة. تتميّز الفوتونات بأنها معدومة الكتلة، وتنتقل كموجات في الفضاء. كلا الضوءين، المرئيّ وغير المرئيّ، يتكوّنان من الفوتونات.
كتابة:
خديجة جعفر آل يعقوب
"ماجستير في الفيزياء التطبيقية ومهتمة بعلوم تقنية النانو. نشرت ورقة بحثية في مجلة (materials chemistry and physics) عن إزالة أيونات الرصاص والكادميوم من المياه الملوثة بإستخدام تقنية النانو. كتبت عدة مقالات لحساب تعليم البحرين على الإنستقرام. عملت لمدة سنتين في جامعة البحرين بنظام جزئي كمساعد تدريس للنظري ومدرس في المختبر الجانب العملي. تقدم دروس خصوصية في الفيزياء. مؤسس حساب على الإنستقرام يقدم محتوى فيزيائي"
مراجعة وتدقيق:
حوراء عبدالله
Comments