خُلق للإنسان العديد من المستشعرات الحسية التي تجعل أجسادنا تفهم ما حولها ، وتنظم عملها وتحافظ على استقرار أبداننا واتزانها ، كي نشعر بضغطة أو لمسة ،وفي بعض الأحيان نشعر بالألم .الألم هو شعور نتيجة لمسار عصبي ينبه الدماغ لوجود خطر وبذلك نبدي ردة فعل في الابتعاد عن مصدر هذا التهديد (مصدر الألم). ولذلك رُبط الألم بما هو سيء وليس جيد. ولكن هل يمكن أن يستمتع الإنسان بالألم ،بعد أن أيقنهُ كمصدر تهديد!
لابد وأن تعرضت يومًا وأنت طفل لموقف من قبل أحد الكبار يهددك بأن ألا تفتعل المشاكل وإلا أطعمك الفلفل! فكنت تخافُ الفلفل ولا أعتقد أن الحامض أو المالح قد يكون تهديد، بل والعكس من ذلك قد يكون المذاق الحلو للسكاكر يُشكل إغراء أمام الأطفال ويُعد مكافأة لهم.
يعود هذا الاختلاف إلى أن في الواقع الطعام الحار لا يملك طعما بل يتسبب بالألم! عند دخول الطعام إلى الفم يبدأ بالتكسر حتى إلى ان تتحرر المركبات الكيميائية المسؤولة عن المذاق و ترتبط بمستشعرات التذوق على اللسان فتهيج مسار عصبي ينتهي بتعريف الدماغ لنكهة الطعام ، وفي الطرف المقابل عند تناول شيئ حار فإنه يحفز مستقبلات الألم بكل بساطة. ولكن يأتي سؤال يعترض هذه المسألة ، لماذا يستمتع الناس بتناول الحار؟ لماذا يحتمل البعض حرارة الطعام وآخرين لا ؟ لماذا لا يستشعر محبين الحار طعم الطعام دون الفلفل؟
لماذا يستمع الناس بتناول الحار؟
يعود ذلك لأن الحار يحفز الغدة النخامية وما تحت المهاد في الدماغ ويؤدي ذلك لإفراز الاندروفينات التي تساعد على تثبيط الشعور بالألم والتي هي في نفس الوقت تعطي شعور فوري بالمتعة ويعود ذلك لارتفاع مستويات الناقل العصبي المسؤول عن السعادة أيضا (الدوبامين) في الدماغ ، ولذلك هناك نتيجتين مترتبتين على هذا الموضوع: الأولى أن الأشخاص الذين يتناولون الحار في الواقع قد يدمنونه بعد فترة ويحتاجون لما هو أكثر حرارة مما تناولوه سابقًا بعد اعتيادهم على نوع معين ومستوى معين من الدوبامين فيفقدون متعة تناول الحار ومن ثم يطلبون اكثر من ذلك ، أما النتيجة الثانية فهي مترتبة على الأولى حيث أن الاستمرار في تناول الحار قد يجعل الانسان يفقد شعور طعم الحار اساسًا ،لأن بكثرة تحفيز مستقبل تي ار بي في 1 يعتاد الأمر و يفقد حساسيته وينتهي المطاف بجعل نقطة البداية لهذا المسار العصبي معطلة فلا تحدث الخطوات المترتبة عليه ، ومن ثم لا يبي من يتناول الحار أي رد فعل وكأنما يتناول طعامًا لا طعم له ! وهذا يجيب سؤالنا الثالث
لماذا يحتمل البعض حرارة الطعام وآخرين لا؟
يعود ذلك بكل بساطة أن لكل شخص مستوى ألم يستطيع تحمله مختلف عن الآخر.
إن الطعام الحار لا يُعنى فقط بالاستمتاع به أو عدم تحمله ، قد يؤدي تناول الحار بشكل مفرط إلى مساوء على الجهاز الهضمي كالقيئ والإسهال وحرقة المعدة والتهاب في المعدة وأمراض القولون ويعود ذلك لزيادة افراز حمض المعدة والذي يتسبب بدوره الى تهتك غشاء المعدة الذي يحافظ على جدارها من التلف من حمض الهيدروكلوريك القوي.
وبذلك، إن استعمال الفلفل في الطعام خيار جيد ولكن باعتدال ولمن يهواه ، استمتعو بأطعمتكم ولا تنسو أن وراء كل نكهة قصة .
كتابة: مريم جواد العريبي
Comentarios